ثانيا : يقول الحافظ ابن الجوزي في «المنتظم» (١) : (للسير والتواريخ فوائد ؛ أهمها فائدتان :
إحداهما : إن ذكرت سيرة حازم ، ووصفت عاقبة حاله .. أفادت حسن التدبير ، واستعمال الحزم ، أو سيرة مفرط ، ووصفت عاقبته .. أفادت الخوف من التفريط ، فيتأدب المتسلط ، ويعتبر المتذكر ، ويتضمن ذلك شحذ صوارم العقول ، ويكون روضة للمتنزه في المنقول.
والثانية : أن يطلع بذلك على عجائب الأمور ، وتقلبات الزمن ، وتصاريف القدر ، وسماع الأخبار).
وفي «شذور العقود في تاريخ العهود» : (إن التواريخ وذكر السير راحة القلب ، وجلاء الهم ، وتنبيه للعقل ؛ فإنه إن ذكرت عجائب المخلوقات .. دلت على عظمة الصانع ، وإن شرحت سيرة حازم .. علمت حسن التدبير ، وإن قصت قصة مفرط .. خوفت من إهمال الحزم ، وإن وصفت أحوال ظريف .. أوجبت التعجب من الأقدار ، والتنزه فيما يشبه الأسمار) (٢).
ثالثا : ومما يفصح عن مكانة التاريخ الساحقة : قول ابن خميس في مقدمة تاريخ مالقة ـ وقد أجاد ـ : (إن أحسن ما يجب أن يعتنى به ويلم بجانبه بعد الكتاب والسنة : معرفة الأخبار ، وتقييد المناقب والآثار ؛ ففيها تذكرة بتقلب الدهر بأبنائه ، وإعلام بما طرأ في سالف الأزمان من عجائبه وأنبائه ، وتنبيه على أهل العلم الذين يجب أن تتّبع آثارهم ، وتدوّن مناقبهم وأخبارهم ؛ ليكونوا كأنهم ماثلون بين عينيك مع الرجال ، ومتصرفون ومخاطبون لك في كل حال ، ومعرفون بما هم به متصفون ، فيتلو سورهم من لم يعاين صورهم ، ويشاهد محاسنهم من لم يعطه السنّ أن يعاينهم ، فيعرف بذلك مراتبهم ومناصبهم ، ويعلم المتصرف منهم في المعقول والمفهوم ، والمتميز في
__________________
(١) الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ (ص ٢١).
(٢) المصدر السابق.