الشّحر ، وأنّ قبره موجود بجبلها ، ومن المعلوم أنّ قضاعة كانت بمأرب فتفرّقت عنها بعد تفرّق الأزد ، فنجوعها منها إلى هذا الوادي وما والاه من أقرب القريب.
وقال العلّامة السّيّد أحمد بن حسن العطّاس : إنّما كان نجوع قضاعة إلى وادي عمد أواخر القرن السّادس ، حينما ماجت حضرموت بالأيّوبيّين ومواليهم الغزّ والقبائل النّاقلة إليها ، ولا اختلاف ؛ لاحتمال تعدّد النّجوع كما ذكر عن كندة ، والأثبت ما سبق عن باحلوان.
وذكر أبو عليّ : (أنّ ثلاثة بطون من قضاعة ـ وهم : بنو ناعب ، وبنو داهن ، وبنو رئام ـ كانوا متجاورين بالشّحر وحضرموت ، وكان الشّرّ يتّقد بين بني رئام وأخويهم ، فبينا هم غارّون في بعض أفراحهم .. إذ أنذرتهم كاهنة لهم ، يقال لها : خويلة الرّئاميّة (١) ، فحذر من كلامها أربعون فتحصّنوا بشعف الجبال (٢) ، وسخر بها الباقون ، فصبّحهم بنو ناعب وبنو داهن فألقوا فيهم السّلاح حتّى أبادوهم ، وكانوا ثلاثين ـ كما يعرف من شعر خويلة الآتي ـ فلم يكن منها إلّا أن قطعت خناصرهم وانتظمتها قلادة في جيدها ، وركبت إلى ابن أختها مرضاوي بن سعوة المهريّ تستنجد به ، وما كادت تصل بين يديه حتّى مثلت تنشد [من الكامل] :
يا خير معتمد وأمنع ملجأ |
|
وأعزّ منتقم وأدرك طالب |
جاءتك وافدة الثّكالى تغتلي |
|
بسوادها فرق الفضاء النّاضب (٣) |
هذي خناصر أسرتي مسرودة |
|
في الجيد منّي مثل سمط الكاعب (٤) |
__________________
(١) ليس الأمر كذلك ؛ لأنّ خويلة الرّئاميّة من صميم بني رئام ، وإنّما الكاهنة جارية لخويلة الرّئاميّة يقال لها : زبراء ، كما في «الأمالي» وانظر أيضا تفصيل القصّة في «جمهرة خطب العرب» (١ / ١١٠ ـ ١١٢). والله أعلم.
(٢) شعف الجبال : رؤوسها.
(٣) الوافدة : رسولة القوم. الثّكالى : النّساء اللّاتي فقدن حبيبا أو غاليا ، ابنا كان أو غيره. تغتلي : تعلو. الفرق : الجبل. الفضاء : الأرض الخالية. النّاضب : البعيد. والمعنى : جئتك نائبة عن هؤلاء النّسوة اللّاتي فقدن أحبابهنّ ، وقد علوت جبالا في أراض خالية بعيدة. والله أعلم.
(٤) مسرودة : مجموعة واحد تلو الآخر. سمط : قلادة. الكاعب : الفتاة الّتي كعب ـ بدا ـ نهدها.