أذكر منها سوى عجز بيت هو :
من نواحي هود إلى حبّان
وكان معنى صدره : فقدت حضرموت منه أريبا. فبقي بذهني لسببين :
أحدهما : أنّ جماعة تغامزوا عليه استقلالا للمدح واستصغارا للبقعة الّتي حدّدها.
والثّاني : أنّه يكاد أن يكون نفس قول شوقي [في «الشوقيّات» ٢ / ١٩٢ من الخفيف] :
يا عكاظا تألّف الشّرق فيه |
|
من فلسطينه إلى بغدانه |
هذا كلام حسن ، وشد ما لاحظت عليه : إكباره لشعر شوقي ، ولا سيّما بعد أن تقدّم إليّ بالسّؤال عن أربعة أبيات منه وأجبته عنها بالرّسالة الموسومة ب «النّقد العلميّ الذّوقيّ في الجواب عن أبيات شوقيّ» (١).
وكثيرا ما أثني على شعر الحضارم الحمينيّ ، وهذا من المواضع الّتي يتأكّد بها ما أقول ؛ إذ الشّطران الّلذان ذكرهما حسن لا يعدّان شيئا في جنب قول المحضار : (من حجر بن دغّار لمّا قبر هود) وكذلك يظهر هزالهما ـ حتّى لا يسومهما أيّ مفلس ـ عند قول العاميّ الحضرميّ في رثاء عائض بن سالمين الكثيريّ : (جبال ترقل من القبله إلمّا هود).
وللإمام المحضار فضيلة التّقدّم ، ولا غرو أن يتفضّل شعر الحضارم العاميّ الخالي عن التّكلّف ، ولا سيّما في الغزل ؛ إذ كانوا يرجعون في ذلك إلى أصل أصيل ... إلّا من جهة أمّه الحضرميّة المسمّاة : مجد (٢).
__________________
(١) طبعت في اليمن أيّام الإمام يحيى سنة (١٣٦٤ ه) ، في (٣٢) صفحة. وكان قد أهداها لمقامه.
(٢) العبارة هكذا في المخطوط ، وفيها سقط ، ولعل التقدير : (... إلى أصل أصيل وتاريخ تليد ، بل إن أكبر شعراء الغزل وهو عمر بن أبي ربيعة رضع لبان الغزل من جهة أمه الحضرمية المسمّاة : مجد). والسبب في اختيار اسم هذا الشاعر دون غيره .. ما قاله صاحب «الأغاني» (١ / ٧٥): (وأم عمر بن أبي ربيعة : أمّ ولد ، يقال لها : مجد ، سبيت من حضرموت ... ومن هناك أتاه الغزل ، يقال : غزل يمان ، ودلّ حجازي).