إلى جود في الفاقة ، وسماحة فوق الطّاقة ، وبرّ بوالديه عظيم ، ومحاسن خلال أغلى من الدّرّ النّظيم ، وله كلام أزكى من مسك الختام ، وأندى من ماء الغمام :
أندى على الأكباد من قطر النّدى |
|
وألذّ في الأجفان من سنة الكرى |
وبيني وبينه ودّ صميم ، وطارف إخاء مبنيّ على قديم ، يأتي فيه قول الخطّابي للثّعالبيّ [من البسيط] :
قلبي رهين بنيسابور عند أخ |
|
ما مثله حين تستقري البلاد أخ |
له صحائف أخلاق مهذّبة |
|
منها التّقى والنّهى والحلم ينتسخ |
ومن أولاد الإمام المحضار : بقيّة السّلف ، وزينة الخلف ، كهف اليتامى ، وموئل الأيامى (١) ، الّذي امتزج الجود بلحمه ودمه ، ولم يسع أحد في الزّمن الأخير بقدمه .. الحبيب مصطفى (٢) ، فحدّث عن سماحته ولا حرج ، وحسبك بما كان منه في الزّمن الّذي هرج ومرج (٣) ؛ فلقد مرّت أيّام الأزمة وداره ملأى بالجفان المحفوفة بالضّيفان (٤).
فما جازه جود ولا حلّ دونه |
|
ولكن يسير الجود حيث يسير (٥) |
لقد بلغني أنّه باع من صلب ماله بعشرة آلاف ريال ذهبت مع الأكباد الحرّى ، والبطون الغرثى (٦).
وللجود حسن أيّ وقت بذلته |
|
وأحسنه ما كان في زمن المحل |
__________________
(١) الأيامى : النّساء اللّاتي لا أزواج لهنّ.
(٢) الحبيب مصطفى المحضار ، مولده بالقويرة سنة (١٢٨٣ ه) ، تنظر ترجمته وأخباره في : «الشّامل» (١٥١) ، «الدّليل المشير» ، وغيرها.
(٣) هرج ومرج : اختلط.
(٤) الجفان ـ جمع جفنة ـ وهي : القصعة.
(٥) البيت من الطّويل ، وهو لأبي نواس في «ديوانه» (٤٨١) ، ولكن بلفظ (يصير) بدل (يسير) في الموضعين.
(٦) الأكباد الحرّى : الّتي يبست من العطش. الغرثى : الجائعة.