العقد فلم يؤخّروه إلّا اضطرارا ، ولكن متى شرع في القراءة في الصّلاة .. اندفع بسرعة السّهام المرسلة.
ولمّا مات ولده محمّد .. تحاشى النّاس عن إخباره ؛ لأنّه الأمر العظيم ، لكنّه لم يظهر بعد ما أخبروه إلّا بأكمل ما يكون من مظاهر الرّضاء التّامّ ، فلم ينزعج ولم يتغيّر ، ولم يحلّ حبوته ، وما زاد على الاسترجاع والاستغفار للفقيد والتّرحّم عليه ، فذكرت ما رواه أبو نعيم وغيره : أنّه لمّا مات ذرّ بن عمر بن ذرّ جاء أهله يبكون إلى أبيه ، فقال لهم : ما لكم؟! إنّا والله ما ظلمنا ، ولا قهرنا ، ولا ذهب لنا بحقّ ، ولا أخطىء بنا ، ولا أريد غيرنا ، وما لنا على الله معتب ، فلمّا وضعه في قبره .. قال : رحمك الله يا بنيّ ؛ لقد كنت بي بارّا ، وكنت عليك شفيقا ، وما بي إليك من وحشة ، ولا إلى أحد بعد الله فاقة ، ولا ذهبت لنا بعزّ ، ولا أبقيت علينا من ذلّ ، ولقد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك .. يا ذر ؛ لو لا هول المطلع .. لتمنّيت ما صرت إليه ، ليت شعري يا ذرّ ماذا قيل لك وماذا قلت (١).
وكذلك الحبيب طاهر لم يزد على التّرحّم على ولده والاستغفار له.
أمّا ولده محمّد بن طاهر الحدّاد (٢) : فقد كان طود المجد الرّاسخ ، وركن الشّرف الشّامخ ، تتحيّر الفصحاء في أخباره ، وتندقّ أعناق الجياد في مضماره.
متنقّل في سؤدد من سؤدد |
|
مثل الهلال جرى إلى استكماله (٣) |
لم يزل يتوقّل (٤) إلى العلا ، ويتسوّر إلى الشرف.
__________________
(١) في «حلية الأولياء» (٥ / ١٠٨).
(٢) السيد الشريف ذو القدر المنيف : محمد بن طاهر بن عمر الحداد ، ولد بقيدون سنة (١٢٧٣ ه) ، وتوفي بالتّقّل بجاوة سنة (١٣١٦ ه) ، صنف في مناقبه تلميذه ورفيقه في أسفاره السيد العلامة عبد الله بن طاهر الحداد كتابا سماه : «قرة الناظر» يقع في (٣) مجلدات ، وكتب عنه ابن أخته السيد عمر بافقيه في كتابه «صلة الأخيار» ، وتلميذه العلامة علوي بن طاهر الحداد في «الشامل» ، وصاحب «تاريخ الشعراء» (٥ / ٤٣ ـ ٥٢).
(٣) البيت من الكامل ، وهو للبحتريّ في «ديوانه» (٢ / ٣٥).
(٤) يتوقّل : يعلو.