وقد جرت بينه وبين العلّامة السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ مناقضات ، منها : أنّ هذا جزم في كتاب سيّره إليه بدخوله تحت دائرته وإن لم يشعر ، فأنكر الأوّل ذلك ـ وكان يتواضع أشدّ التّواضع بين يدي أستاذنا وأستاذه الأبرّ عيدروس بن عمر ـ وتقدّم إليه بأسئلة جزلة تدلّ على صدق حال وغزارة مادّة ، فأجابه الأستاذ بأفضل جواب.
وجرت بينه وبين علّامة جاوة السّيّد عثمان بن عبد الله بن عقيل بن يحيى (١) محاورات في الأوتار ؛ لأنّ الأوّل يحضرها والسّيّد عثمان يشتدّ في منعها ، وقد بسطت القول عن هذه المسألة في «بلابل التّغريد» بما لا يوجد في سواه.
وقد كان ما اشتهر من محاسن هذا الإمام ، وملأ سمع الأرض وبصرها .. يملأ قلبي حسرة ؛ إذ لم يقدّر لي الاجتماع به ، مع أنّه قدم ذات المرّات إلى سيئون وأنا موجود ، وقلّ من زارها من أهل الفضل إلّا زار والدي في مكانه علم بدر الّذي انجمع فيه بالآخرة عن النّاس (٢). بل لا يوجد من يتخلّف عنه سوى من كان يتودّد إلى طائفة باطويح القاعدين بكلّ مرصد يصدّون البسطاء عن سبيله وعن سبيل سيّدنا الأستاذ الأبرّ ومن على شاكلتهم ، ومعاذ الله أن يتأثّر بكلامهم السّيّد محمّد بن طاهر ، وهو الّذي لا يقعقع له بالشّنان (٣) ، ولكنّني لا أحفظ زيارته لوالدي مع أنّي لم أفارقه إلّا للحجّ في سنة (١٣٢٢ ه) ، وما كنت لأنسى زيارته لوالدي لو كانت ، وأنا أحفظ كلّ من زاره من أهل الفضل منذ الرّابعة من عمري ؛ لأنّه يقدّمني إليهم ـ ليبرّكوا عليّ ويلبسوني ولأقرأ عليهم شيئا من القرآن أو حديث معاذ في العلم وعلّ وصوله حضرموت صادف مرضي الشّديد في سنة (١٣١٣ ه) ؛ فإن كان كذلك .. فقد انحلّ الإشكال ـ إلّا أنّه يبلّ من غليل تلك الحسرة ما كان يمثّله لنا السّيّد عبد القادر بن محمّد السّقّاف ـ الآتي ذكره ـ من كلامه وقراءته ومشيته.
__________________
(١) توفي السيد عثمان في بتاوي جاكرتا يوم الأحد (٢١) صفر سنة (١٣٣٢ ه). وهو صاحب المصنفات الكثيرة الجمة.
(٢) أي : انقبض عنهم واعتزلهم.
(٣) القعقعة : صوت الشّيء الصّلب على مثله. الشّنان : القرب والجلود اليابسة. ومعناه : أنّه ليس ممّن تفزعه القعقعة. وهو مثل عربيّ يضرب للرّجل الشّهم الشّجاع لا يفزع بالوعيد.