ثمّ انحدر بعد ذلك إلى جاوة ، وأدركته المنيّة بالتّقّل ـ إحدى مدنها ـ في سنة (١٣١٦ ه) ، عن اثنين وأربعين ربيعا ، فكان أكبر من قول حبيب [أبي تمّام في «ديوانه» ٢ / ٢١٧ من الطّويل] :
فتى سيط حبّ المكرمات بلحمه |
|
وخامره حقّ السّماح وباطله (١) |
فتى جاءه مقداره ، واثنتا العلا |
|
يداه ، وعشر المكرمات أنامله (٢) |
فتى ينفح الأيّام من طيب ذكره |
|
ثناء كأنّ العنبر الورد شامله |
وقد زرت قبره ، وألفيت عليه من المهابة والجلال ما ذكّرني بقول الأوّل [من الطّويل] :
على قبره بين القبور مهابة |
|
كما قبله كانت على ساكن القبر |
وبإثره تقيّض فريقه ، وانتهج طريقه ولده الفاضل علويّ (٣) ؛ فلقد أحيا قدّته ، وأظهر جدّته ، وأطال مدّته ، وأعاد جوده ونجدته ، فما زال طويل العماد ، كثير الرّماد (٤) ، فحماد له حماد.
تنميه في قلل المكارم والعلا |
|
زهر لزهر أبوّة وجدود (٥) |
فرع من النّبع الشّريف إذا هم |
|
نسبوا وفلقة ذلك الجلمود |
__________________
(١) سيط : خلط. خامره : خالطه.
(٢) المقدار : الأجل.
(٣) ولد الحبيب علوي بن محمد بن طاهر الحداد بقيدون في رجب (١٢٩٩ ه) ، وتوفي بجاوة في سنة (١٣٧٣ ه) ، كان من أهل العلم وأهل الكرم والجود ، وله أعمال خيرية ، ومآثر تشهد له ، جمع شيئا من كلامه ومواعظه تلميذه السيد محمد بن سقاف الهادي ، وتلامذته كثيرون. ترجمته في : «تاريخ الشعراء» (٥ / ٢٥٩) ، «تعليقات ابن شهاب على شمس الظهيرة» (٢ / ٥٦٣) ، و «قرة الناظر» لتلميذه العلامة عبد الله بن طاهر .. وغيرها.
(٤) كثير الرّماد : كناية عن الكرم ؛ لأنّه يلزم من كثرة الرّماد كثرة الحطب المحروق ، وهو دليل على كثرة الطّبخ ، وكثرة الطّبخ دليل على الكرم.
(٥) البيتان من الكامل ؛ وهما لأبي تمّام في «ديوانه» (١ / ٢٢١) تنميه : تنسبه. قلل : قمم. زهر الأولى : اسم قبيلته. زهر الثّانية : ـ جمع أزهر ـ : وهو مشرق الوجه.