الفوائد ، وتبسط الموائد ، وتهتزّ الأبشار ، وتحنّ العشار ، وينظم الانتشار ، وتقشعرّ الأبدان ؛ لحضور الأرواح من بشّار.
هنالك يهتزّ الشّعور إذا التقى |
|
من الملأ الأعلى كرام وطيّب (١) |
وثمّ يطيب الاتّصال إذا انبرى |
|
نسيم الرّضا وانهلّ بالفضل صيّب |
ولا تزال تلك العادة متّبعة إلى اليوم ، وهذا المولد من أقلّ الموالد بدعا ومفاسد ، إلّا ما قد يقع من اختلاط الرّجال بالنّساء ، ولكن لم يشتهر عنه فساد ، ولا مانع أن يكون ذلك ببركة إخلاص مؤسّسه وحسن نيّته ، ولو رأيت ما يقع من فرح الوفود ، وزجل الأراجيز ، ودويّ المدافع ، وزمجرة الميازر.
والخيل تصهل والفوارس تدّعي |
|
والبيض تلمع والأسنّة تزهر (٢) |
والأرض خاشعة تميد بثقلها |
|
والجوّ معتكر الجوانب أغبر |
والشّمس طالعة توقّد في الضّحى |
|
طورا ويطفئها العجاج الأكدر |
.. لرأيت ما يملأ عينيك نورا ، وقلبك سرورا.
وتقوم هناك سوق من أسواق العرب تدوم ثلاثة أيّام ، وتأتيها القوافل حتّى من نحو صنعاء.
وكان الحبيب عليّ بن حسن العطّاس ـ صاحب المشهد هذا ـ صدرا من صدور الرّجال ، وله مؤلّفات كثيرة ، منها : «القرطاس» في ثلاث مجلّدات كبار ، ومنها : «سفينة البضائع» ، وله «ديوان» عذب (٣) ، كأنّه اللّؤلؤ الرّطب ، وهو يمرّ في منظومه ومنثوره مع خاطره ، لا يتكلّف ولا يتنطّع ، ولا يدع شيئا بباله إلّا نفث به لسانه ، وعسل به قلمه ، من ذلك : أنّ جماعة من قرار (٤) شبام باتوا عنده ، فأكرمهم وأسبغ قراهم ، ومعهم جمّال من آل مهري ، سأل عنه الحبيب عند حضور العشاء ،
__________________
(١) البيتان من الطّويل.
(٢) الأبيات من الكامل ، وهي للبحتريّ في «ديوانه» (١ / ٢٤).
(٣) واسمه : «قلائد الحسان وفرائد اللسان».
(٤) القرار : أهل الحراثة والأرياف إذا اعتزلوها وسكنوا المدن.