عبوس ، ولا يبطره غنى ، ولا يذلّه بؤس.
لا مترفا إن رخاء العيش ساعده |
|
وليس إن عضّ مكروه به خشعا |
وفيه أقول من «الرّحلة الدّوعنية» [من الطّويل] :
وعجنا إلى الغيوار صبحا فأطلقوا |
|
كذا وكذا عند التّحيّة مدفعا |
وزرنا البعيد الصّيت حامي الحمى الّذي |
|
به صار من عرّيسة اللّيث أمنعا (١) |
وكان زعيم المشهد الشّهم غائبا |
|
مضى هو والسّلطان في رحلة معا |
وكان مكينا عنده حيث إنّه |
|
بأخلاقه لم يبق للظّرف موضعا |
سوى لحية فيها يسير زيادة |
|
أريد على تقصيرها فتمنّعا |
وفي جيده باللّيل أبصرت سبحة |
|
من الرّقش خفنا أن تدبّ وتلسعا (٢) |
ولا يشكل قولنا : (أبصرت) مع أنّه كان غائبا ؛ لأنّا اجتمعنا وإيّاه بعد ذلك مع السّلطان ، فكان ما في البيت.
ولقد أخبرني أنّ السّلطان صالح بن غالب أراده على حلق لحيته أيّام كان معه بمصر ؛ لأنّ أهل مصر لا يحبّون اللّحى ، وبذل له مئة دينار مصريّ فامتنع ، إلّا أنّه ندم بعد ذلك ، ولا سيّما إثر ما أخبرته باتّفاق الرّافعيّ والنّوويّ على كراهة حلقها لا حرمته ، وأنّ السّخاويّ ذكر في «الضّوء اللّامع» أنّ عبد الحقّ بن هاشم الجربيّ المغربيّ كان يحلق لحيته وشاربه ، وكان صالحا معتقدا ، وأصله من الينبوع فيما يذكر ، وقد تولّى مشيخة رباط السّيّد حسن بن عجلان بمكّة ، وبها توفّي سنة (٨٤٥ ه) فاشتدّ ندمه حينئذ ، وأنشد لسان حاله قول كثيّر عزّة [في «ديوانه» ٢٤٤ من الطّويل] :
لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها |
|
وأمكنني منها إذن لا أقيلها |
__________________
(١) عرّيسة الليث : عرينه.
(٢) الرّقش : الحيّات الّتي فيها سواد وبياض ، والمعنى : أن في جيده سبحة سوادها وبياضها يخيل للناظر أنه حية رقشاء.