حوطته هذه في جانبها الجنوبيّ إلى بقايا قرية كانت هناك قديمة.
وهي طيّبة الهواء ، نقيّة التّربة ، يختلف هواؤها عن شبام بكثير في الصّحّة والصّفاء.
ومررت فيها أيّام الأمير صلاح بن محمّد القعيطيّ (١) ، وكان شهما محنّكا ، وقور الرّكن ، غزير الحلم ، مشاركا في العلم والتّاريخ ، مقصودا ، رحب الجانب ، ينصف المظلوم من الظّالم ، وكان له شغل بالحرث ، يحصل منه على إيراد عظيم ينفقه بأسره في نيل المكارم وقرى الضّيفان.
وهو الّذي فتل في الغوارب والذّرى حتّى حمّل ابن عمّه منصّر بن عبد الله ـ لمّا بدؤوا ينافسونه ويضايقونه ـ ما حمّلهم من الحقد والمنافسة على عمّهم السّلطان عوض بن عمر ، وأوقعهم في الثّورة ، ولكنّه لم يجن ثمرة سياسته إلّا خلوّ حضرموت له من وجه منصّر بن عبد الله الّذي كان يضايقه ويتفضّل عليه ، وإلّا .. فقد مات وشيكا في سنة (١٣١٨ ه) ـ كما سبق في قيدون ـ عن ولدين.
أحدهما : الأمير محمّد بن صلاح ، مرّت أيّامه في خدمة الجيش الآصفيّ بحيدر آباد الدّكن ، إلى أن مات ، وهو رجل مشكور ؛ إلّا أنّ للفرزدق شاعر الهند المجهول أهاج لاذعة أقذع له فيها غاية الإقذاع.
والثّاني : عليّ بن صلاح (٢) ، رجل نبيه ، تكرّرت ولايته على شبام وعزله عنها ؛
__________________
(١) هو الأمير صلاح بن محمد بن عمر بن عوض القعيطي ، توفي بالقطن سنة (١٣٣٦ ه) كما يقول حفيده عبد العزيز بن علي بن صلاح ، وليس كما ذكر المصنف هنا من أنه توفي سنة (١٣١٨ ه) ؛ لأن ابنه السلطان علي ولد سنة (١٣١٤ ه) وتوفي أبوه وعمره (١٦) سنة تقريبا ينظر كتاب «علي بن صلاح» (٣٦).
(٢) الأمير ـ أو السلطان مجازا ـ علي بن صلاح بن محمد بن عمر القعيطي ، ولد بقرية خريخر قرب الهجرين ، عند أخواله آل بن محفوظ الكنديين ، وتوفي بالريضة سنة (١٣٦٨ ه). كتب عن أخباره السياسية وحوادث عصره ابنه الأصغر الأستاذ عبد العزيز بن علي ، وصدر الكتاب عن دار جامعة عدن في سنة (١٩٩٩ م) ، ثم عن دار الساقي لعام (٢٠٠١ م).