والله أعلم بحقائق الأمور والمطّلع على خفيّ ما في الصّدور.
ولمّا توفّي في سنة (١٢٧٣ ه) بقرية ذي أصبح عن عدّة أولاد .. لم يرث حاله منهم إلّا ولده عبد الله (١) ، وكان يسمّيه : قرّة العين ، بسبب أنّه وصل له مال دثر فقال لأولاده : خذوا ما شئتم ، فكلّ أخذ من الرّيالات ما يقدر على حمله .. إلّا عبد الله (٢) فإنّه اقتصر على طلب الدّعاء بالثّبات على الإيمان ، فقال له : قرّت بك عيني يا ولدي ، فأطلق عليه ذلك اللقب من يومئذ ، فكان هو خليفته ووارث سرّه.
أبقى لنا العبّاس غرّتك ابنه |
|
مرأى لنا وإلى القيامة مسمعا (٣) |
لقد كان ركن إسلام ، وطود تقوى ، وعمود محراب ، وثمال أيامى ، وموئل يتامى ، ومعاذ مظلوم .. وحامي حمى ، وحارس حدود.
مزايد نفس في تقى الله لم تدع |
|
له غاية في جدّها واجتهادها (٤) |
فما مالت الدّنيا به حين أشرقت |
|
له في تناهي حسنها واحتشادها |
لسجّادة السّجّاد أحسن منظرا |
|
من التّاج في أحجاره واتّقادها |
لقد كان يستجهر النّاس بوسامته وما على جبينه من آثار القبول وارتسامه ، ولا سيّما إذا قام في محفل يذكّرهم بالجلالة ، بوجه جميل ، عاليه جلالة ، وتغشاه من الأنوار هالة.
من البيض الوجوه بني عليّ |
|
لو انّك تستضيء بهم أضاؤوا (٥) |
هم حلّوا من الشّرف المعلّى |
|
ومن كرم العشيرة حيث شاؤوا |
__________________
(١) ينطق بكسر الدال وترقيق اللام الأولى ؛ (عبد اللّاه).
(٢) ينطق بكسر الدال وترقيق اللام الأولى ؛ (عبد اللّاه).
(٣) البيت من الطّويل ، وهو لأبي الطّيّب المتنبّي في «العكبريّ» (٢ / ٢٦٨) ، والمعنى : قد خلّف ـ أبوك ـ العبّاس طلعتك ، يا ابنه ؛ فهو على حذف حرف النّداء ؛ أي : قد خلّف طلعتك لنشاهد فضلك وكرمك ، وليبقى ذكرها إلى يوم القيامة.
(٤) الأبيات من الطّويل ، وهي للبحتريّ في «ديوانه» (١ / ١٢٧ ـ ١٢٨).
(٥) البيتان من الوافر.