الكأداء ، غير أنّ ما يتفضّل به علينا التّاريخ من يوم إلى آخر يجعلنا لا نعدل بالحبيب حسن أحدا ، لا في شهامته ، ولا في شدّته في الله ، ولا في قوّة ثقته به وفرط توكّله عليه وتفانيه في مواقع رضاه.
وبهذه المناسبة ذكرت شيئين :
أحدهما : ما رواه غير واحد أنّ الإمام أبا حنيفة سئل عن الأسود وعلقمة وعطاء أيّهم أفضل؟ فقال : والله ما قدري أن أذكرهم إلّا بالدّعاء والاستغفار ؛ إجلالا لهم ، فكيف أفاضل بينهم؟
هذا ما يقوله أبو حنيفة عن هضم للنّفس فيما نخال ، وإذا نحن قلنا نحوه في أمثال هؤلاء .. فإنّما نتحدّث بالواقع ، ونخبر عن الحقيقة ؛ لأنّ الحكم بالشّيء فرع تصوّره ، والأمر كما قال البوصيريّ [من الخفيف] :
فورى السّائرين وهو أمامي |
|
سبل وعرة وأرض عراء |
والثّاني : ما ذكره ابن السّبكيّ في «طبقاته» [٥ / ٣٥٣] وياقوت في مادّة (المقدس) من «معجمه» [٥٤ / ١٧٢] وغيرهما ـ عن بعض أهل العلم قال : (صحبت أبا المعالي الجوينيّ بخراسان ، ثمّ قدمت العراق ، فصحبت الشّيخ أبا إسحاق الشّيرازيّ ، فكانت طريقته عندي أفضل من طريقة الجوينيّ ، ثمّ قدمت الشّام فرأيت الفقيه أبا الفتح نصر بن إبراهيم المقدسيّ ، فكانت طريقته أحسن من طريقتهما جميعا).
وقد ميّلت بين الجوينيّ والشّيرازيّ في «العود الهنديّ» قبل اطّلاعي على هذا بزمان طويل بما لا يبعد عنه ، وما ظنّي بالرّاوي لو اطّلع على ثلاثتنا .. إلّا تفضيلهم في التّقوى والدّين ، وإن كان أولئك أغزر في العلم.
فما كان بين الهضب فرق وبينهم |
|
سوى أنّهم زالوا وما زالت الهضب |
وكلّا والله لم يزولوا ولكنّهم انتقلوا فعولوا ، وقد جاء فيما يقولوا [من الكامل] :
وإذا الكريم مضى وولّى عمره |
|
كفل الثّناء له بعمر ثاني |
وما أحسن قول أبي القاسم ابن ناقياء في رثائه لأبي إسحاق الشيّرازيّ [من الكامل] :
إن قيل مات فلم يمت من ذكره |
|
حيّ على مرّ اللّيالي باقي |