ومنهم مسند حضرموت بل مسند الدّنيا كلّها في عصره إذ زلّت عن مرقاته الأصول ، ولم يتّفق لأحد إلى مثل علوّه الوصول : أستاذنا الأبرّ عيدروس بن عمر ؛ فإنّه مجمع المفاخر ، وبحر العلم الزّاخر ، وزينة الزّمن الآخر :
أزالت به الأيّام عتبي كأنّما |
|
بنوها لها ذنب وهذا لها عذر (١) |
وهو الإمام بحقّه ، والكمال بصدقه ، وعلى الجملة : فإنّي لا أجد عبارة ترضيني في وصف ما شاهدته من محاسنه ، فضلا عمّا لم أشاهده ، ولم ينته إلى تصوّره إذ ذاك سنّي ؛ إذ الأمر كما قال أبو الطّيّب [في «العكبريّ» ٢ / ٢٨٧ من الطّويل] :
وما حارت الأفهام في عظم شأنه |
|
بأكثر ممّا حار في حسنه الطّرف |
جمال يحسر الأنظار ، وكمال يدهش الحضّار ، وجلال يملأ البصائر ، ومقام يملك الضّمائر ، ووقار يأخذ النّفوس ، فلا يبقى لديه رئيس ولا مرؤوس .. إلّا وهم خاضعو الأذقان ، ناكسو الرّؤوس.
كأنّ شعاع عين الشّمس فيه |
|
ففي أبصارنا عنه انكسار (٢) |
وحديث يهزّ الشّعور ، ويجلب السّرور ، كأنّما هو اللّؤلؤ المنثور ، وتهتزّ له الجبال الرّكينة ، وكأنّما تنزل عنده السّكينة.
أندى على الأكباد من قطر النّدى |
|
وألذّ في الأجفان من سنة الكرى (٣) |
وممّا أستخرج به العجب من القوم ، ولا أزال ممتلئا به في نفسي إلى اليوم .. أنّني وأترابي من الصّغار ـ مع الانطباع على الحركة ـ نبقى في مجلسه الشّريف الساعات العديدة ، وكأنّما على الرّؤوس الطّير.
فبقايا وقاره عافت النّا |
|
س وصارت ركانة في الجبال (٤) |
__________________
(١) البيت من الطويل.
(٢) البيت من الوافر ، وهو لأبي الطّيّب المتنبّي في «العكبريّ» (٢ / ١١٠).
(٣) البيت من الكامل ، وهو من قصيدة رائيّة مشهورة لابن عمّار يمدح بها المعتضد عبّاد ، والد المعتمد ، تجدها في «نفح الطيب» (١ / ٩٥). السّنة : النّعاس. الكرى : النّوم.
(٤) البيت من الخفيف ، وهو لأبي الطّيّب المتنبّي في «العكبريّ» (٣ / ١٩٩). عافت : كرهت.