وكيف لا أعجب من شمول السكون ، مع أنّنا لا نعرف كلّ ما يكون ، وإنّما نلتذّ بريّاه ، وننعم بمحيّاه ، وحيّاه الله وبيّاه ، فمع قصورنا عن فهم الكثير مما يسرح فيه من المعاني الرّائقة ، والعبارات الفائقة .. نحسّ كأنّما تبسط له الملائكة أجنحتها ، وتلقي ـ وما تدري ـ له الأكفّ أسلحتها ، لا سيّما إذا ازدحم الجمع يستجلون هلاله ، ويسمعون منه كلمة الجلاله.
فتلقي وما تدري الأكفّ سلاحها |
|
ويخرق من زحم على الرّجل البرد (١) |
وقد سبق في القويرة : أنّ شيخنا العلّامة ابن شهاب يقول : (لو لا أنّي رأيت ثلاثة ؛ وهم : محسن بن علويّ السّقّاف ، وأحمد بن محمّد المحضار ، وعيدروس بن عمر الحبشيّ .. لما صدّقت بما يروى عن الرّجال من مقامات الكمال) ولكن جاء العيان فألوى بالرّوايات ، وقد قال أبو عبادة [البحتريّ في «ديوانه» ٢ / ٣١٠ من البسيط]
رأيت مجدا عيانا في بني أدد |
|
إذ مجد كلّ قبيل غيرهم خبر |
ولا جرم فقد كان الأستاذ نسخة السّيرة النّبويّة ، لا يحيد عنها شعرة ، ولا يلتفت يمنة ولا يسرة.
فما هو إلّا نبعة من غصونه |
|
وطلعة نور من شريف خلاله (٢) |
ولقد زرت هودا عليه السّلام معه في سنة (١٣١١ ه) ، ورأيت النّاس حافّين به.
كأنّهم عند استلام ركابه |
|
عصائب حول البيت حان قفولها (٣) |
__________________
الرّكانة : الرّسوخ. والمعنى ـ كما في العكبريّ ـ : وما بقي من حلمه الّذي أعطاه الله .. كره النّاس ، فلم يحلّ بهم ، فحلّ في الجبال ، فصار ركانة فيها وثبوتا.
(١) البيت من الطويل ، وهو متداخل من بيتين للمتنبي في «العكبري» (٢ / ٥) ، والبيتان هما :
بمن تشخص الأبصار يوم ركوبه |
|
ويخرق من زحم على الرّجل البرد |
وتلقي وما تدري البنان سلاحها |
|
لكثرة إيماء إليه إذا يبدو |
(٢) البيت من الطّويل.
(٣) البيت من الطّويل ، وهو للبحتريّ في «ديوانه» (١ / ٤٠٠).