محمّد الحبشيّ الجواب ، وسحب مصادقته ، وشطب اسمه.
وقد نوّهت بهذا في إحدى خطبي بالمحافل العامّة ، وأشهد لتبقى أقدامه وسوقه متورّمة مدّة من شوّال ؛ لكثرة قيامه برمضان ؛ إذ كان يتلو ختمة باللّيل وختمة بالنّهار ، كلّها من قيام.
وكان شديدا على أهل المنكرات ، متجافيا عن أبناء الدّنيا منحرفا عنهم ، يغلظ القول لهم ، ولا يحابي ولا يداهن. وطائفة بني طويح يبغضونه ، ويزعمون أن الحال خرج به عن حدّ الاعتدال ، ولذا لم يجر الأمر بينه وبين العلّامة الشّهير السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ على ما تقتضيه القرابة ؛ إذ كانا مستويين في تعدّد النّسب ، يجتمعان في الجدّ الخامس لكلّ منهما وهو السّيّد محمّد بن حسين بن أحمد الحبشيّ صاحب الحسيّسة.
وقد بدا له أن ينتقل في آخر أيّامه من الغرفة إلى سيئون ، فاشترى أرضا (١) ـ في شرقيّ حوطتنا علم بدر ـ واسعة بثمن يسير لائق بذلك الزّمان ؛ لأنّها كانت غامرة (٢) ، فابتنى له بها دارا واسعة على طبقة واحدة ، لم يقدر على إكمالها ؛ لضيق يده ، وشدّة يبوسة عيشه ، وصار يتردّد بينها وبين الغرفة إلى أن ألقى بها العصا وحطّ الرّحل.
وكان يتردّد على والدي كثيرا ، وكان والدي يجلّه ويكرمه ، ويجعله في مقام أشياخه. قرأت عليه وأخذت عنه وسمعت منه ، مع أنّه لم يأخذ عنه إلّا القليل ؛ كالشيخين عوض بكران الصّبّان وأخيه أحمد ، والأخوين محمّد بن هادي بن حسن ، وشيخ بن أحمد بن طه.
ولا يخلو الجوّ بينه وبين سيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر من تكدير نشأ عن وجود بنت الأستاذ الأبرّ في بيته عند ولده محمّد بن شيخان ، فلم يحسنوا عشرتها ، ولم يؤدّوا حقّها ، ومع ذلك فكانت تأتيه منهم قوارص بظهر الغيب.
__________________
(١) عرفت هذه الأرض إلى يومنا هذا باسم صاحب الترجمة .. فيقال : فلان في شيخان ، وذهب إلى شيخان ، وجاء من شيخان ...
(٢) غامرة : مهجورة.