أمّا مجالسه .. فقد كانت بساتين نافحة الأزهار يانعة الأثمار ، كما يعرف بعض ذلك بما حصّله والدي رضوان الله عليه باستذكاره بعد وفاته من كلامه.
ومن فضلاء الغرفة : شيخنا الإمام ، السّيّد : شيخان بن محمّد الحبشيّ (١) ، كان بحرا من بحور العلم ، وجبلا من جبال العبادة ، ونجما من نجوم الإرشاد ، ورجما من رجوم الإلحاد.
إمام رست للعلم في أرض صدره |
|
جبال جبال الأرض في جنبها قفّ (٢) |
أقام في طلبه زمانا بمكّة المشرّفة ، وأخذ عن أراكينها ، وكان سريع المطالعة ، طالع تفسير «الخازن» في أربعة أيّام مطالعة بحث وتحقيق ، وكتب عليه تعليقات ، وله شعر يرتفع عن أشعار العلماء ، منه القصيدة الطّولى الّتي استهلّها بقوله [من الرّمل] :
لمع البرق على أطلال ميّ |
|
وسقى الودق هضيبات لؤيّ |
وورد مرّة إلى سيئون سؤال من آل يحيى ، يتعلّق بسجود التّلاوة في الصّلاة ، فكتب عليه السّيّد محمّد بن حامد بن عمر السّقّاف جوابا ، صادق عليه العلّامة السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ وجماعة من طلبة العلم بسيئون ، فوافق وصول العلّامة السّيّد شيخان ، فعرضوه عليه ، وطلبوا منه المصادقة ، فأبى إلّا بعد المراجعة ، فأعطوه «حاشية الإقناع» فاستند في ردّ ذلك الجواب إلى عبارة عن المدابغي ، فقال له السيد محمد بن حامد : دعنا من المدابغيّ ، فغضب السّيّد شيخان وقال للسّيّد محمّد : لا صواب في جوابكم إلّا البسملة وما والاها ، فحالا أخذ السّيّد العلّامة عليّ بن
__________________
(١) هو الحبيب شيخان بن محمد بن شيخان بن محمد بن شيخان بن حسين بن محمد بن حسين بن أحمد الحبشي ، ولد بالغرفة سنة (١٢٥٩ ه) ، وتوفي بسيئون سنة (١٣١٣ ه). نشأ يتيما في حجر والدته وجده لأمه العلامة عبد الله بن حسن الحداد ، وأدرك جملة من الأكابر ؛ كالحبيب الحسن بن صالح البحر ، رحل إلى مكة لطلب العلم عام (١٢٨٣ ه) ، وأقام بها (٤) سنوات ، ثم عاد وحصل به نفع عظيم. وله بسيئون ذرية مباركة ، ومن أعلام ذريته : الفقيه حسن بن عمر بن شيخان.
(٢) البيت من الطّويل ، وهو لأبي الطّيّب المتنبّي في «العكبريّ» (٢ / ٢٨٥) ، بتغيير بسيط. القفّ : الغليظ من الأرض ، ولكنه لا يبلغ أن يكون جبلا. والمعنى : ـ كما في «العكبريّ» ـ : أنّ جبال الأرض ، تصغر في جنب الجبال الّتي في صدره من العلم.