الشّيخ صالح عبيد عن طريق البرّ ، وذهب الآخرون عن طريق الشّحر ، وأكثروا من العرائض هناك ، ولم يحصل للقضيّة حلّ نهائيّ ، ونشر الشّيخ صالح عبيد كتابا في ذلك فرّقه بين النّاس من إنشاء الفاضل النّاقد الشّيخ عبد القادر بن عبد الله باحميد .. فلم يردّ عليه أحد.
وأريق في تلك الفتنة دماء غزيرة من أبرياء أهل الغرفة ، يغضب لقتلهم جبّار السّماء.
وبقي على إمارة الغرفة عمر عبيد بالنّيابة عن أخيه صالح (١) ، وكانوا متساندين في أمورهم ، وكان الشّيخ عمر عبيد من الموقّعين على «هدنة الثّلاث سنين» (٢) الّتي اقترحها الضّابط السّياسيّ (انجرامس) ، وأوّلها ـ فيما أظن ـ سنة (١٣٥٦ ه).
ولمّا مات صالح عبيد بجاوة .. وصل ولده عبيد صالح من سنغافورة إلى المكلّا ، ومنها بطريق السيارات المستحدثة إلى تريم ، ومنها إلى مكانه الحول ، ولم يجلس مع عمّه عمر إلّا يوما واحدا بإثره مات الشّيخ عمر في سنة (١٣٥٧ ه) فاستقلّ ولده عبيد صالح بالغرفة.
ولمّا انتهت هدنة الثّلاث سنين .. لم يشعر النّاس إلّا بمنشورات توزّع بين النّاس
__________________
(١) لأن الشيخ صالح هذا كان صاحب تجارة وثروة في جاوة ، يصرف منها على أخيه عمر عبيد وعلى ثورته.
(٢) هدنة الثلاث سنين هذه .. كتبت سنة (١٩٣٢ م) ، فقد نجح المستر انجرامس في توقيعها بين مجموعتين من فخائذ آل كثير هما : آل الفاس ، وآل مرعي بن طالب ، ومن بنودها : تعيين حدود مدينة الغرفة. والكف عن تبادل إطلاق النار بين الغرفة والمناطق الكثيرية المجاورة لها. وحرية الخروج والدخول من وإلى الغرفة. وحق أهل البلاد بالتمتع بحرية النفس. وعدم فرض رسوم وضرائب على السكان. وإرجاع العبيد والجواري اللاجئين في الغرفة إلى ملاكهم ، والحفاظ على الملكية الشرعية.
قال بعض الباحثين : وتعتبر هذه الاتفاقية بحق شهادة لإثبات أفضلية الأوضاع الاجتماعية في الغرفة عنها في المناطق الكثيرية الأخرى حينئذ ؛ بدليل لجوء العبيد والجواري إلى الغرفة هروبا من الاستغلال والاضطهاد الكثيري لهم ، ورغبتهم في التمتع بالعدل والمساواة تحت رعاية الحكم الإرشادي الجديد في الغرفة. اه «بحوث المقاومة الشعبية» (٥٤).