وقد قلت بمناسبة ذلك قصيدة توجد بمحلّها في الجزء الثّالث من «الدّيوان» ، ومنها [من الكامل] :
لا شامت قرّت له عين ولا |
|
تركته يسمع في الطّريق موبّخا |
ومنها ما قلته في وصف ذلك الجيش ومعدّاته الهائلة :
جيش تميد به الفلاة ومنظر |
|
منه الرّعان تكاد أن تتفسّخا (١) |
هضبات فولاذ تقلّ مدافعا |
|
ملئت وقد سارت قطارا فرسخا |
وقذائف لا يستقلّ لرميها |
|
حصن وطيد الرّكن حتّى ينفخا |
سلّ الأمير وما بمحجمة دم |
|
يوم الهجوم من البريء توسّخا |
يوم أجرّ من المذلّة ألسنا |
|
وأمدّ أخرى بالتّطوّل بذّخا |
فيه الشّنافر يضحكون شماتة |
|
وسيجهشون إذا الظّلام تدخدخا (٢) |
كم من طويل شامخ عرنينه |
|
لا بدّ بعد اليوم أن يتنخنخا (٣) |
وكذلك كان الأمر ، فقد صار الشّنافر بعده أذلّ من أبناء السّبيل ، حتّى لقد منعوا حمل السّلاح ، بل منعوا من إطلاق البنادق في أفراحهم.
ومن الغرائب : أنّ ضبعا وقع في شبكة أحدهم ، فما جسر أن يطلق بندقيّته عليها ، فبقيت تناوص وهو ينظر إليها حتّى هربت.
وما أظنّ الأمر يبلغ إلى ذلك ، ولكنّه من خور العزائم واستيلاء الذّلّ ، وما أجد لصاحب الضّبع مثلا إلّا عليّة بنت المهديّ ، فلقد منعها الرّشيد أن تذكر غلاما كانت تتّهم بهواه ، واسمه طلّ ، فبينما هي تتلو كتاب الله إذ انتهت إلى قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ) فلم تجسر أن تقول (فَطَلٌ) وإنّما قالت : (فإن لم يصبها وابل .. فما
__________________
(١) الرعان : الجبال الطويلة ، تميد : تميل.
(٢) جهش للبكاء : استعدّ له واستعبر. تدخدخ : اختلط ظلامه.
(٣) يتنخنخا : مأخوذ من النّخّ ، وهو بروك الإبل ، وهو هنا كناية عن الذّلّ ، على حدّ قول الشّاعر :
ما طار طير وارتفع |
|
إلّا كما طار وقع |