كلاما ، فأخبروه ، فلم يزد على أن قال : أو قد فعلوها؟! قالوا : نعم.
فرفع يديه إلى السّماء وقال : (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)(١).
فما أشبه هذا بذاك. لا ينفذ إلى فعله التّعليل ، ولا يحتاج شيء منه إلى التّأويل ؛ إذ صار هواه تبعا لما جاء به نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فجاء فيه موضع قول ابن كناسة في إبراهيم بن أدهم [من الطّويل] :
أمات الهوى حتّى تجنّبه الهوى |
|
كما اجتنب الجاني الدّم الطّالب الدّما |
سروره في إقبال الخلق على الله ، وحزنه في إعراضهم عنه ، حتّى لقد كان سبب موته من هذا الباب.
وكان كثير الأخذ عن المشايخ ، جمّ الحرص على الاستكثار من الأسانيد والاتّصال بسلاسل الرّجال وأئمّة الحديث والطّريق. وقد اجتمع له ولي بفضله ـ رضوان الله عليه ـ ما لا يوجد عند أحد من أهل عصره ، ولله الحمد.
وكان في أيّام أستاذه الأبرّ عيدروس بن عمر يتردّد عليه من أيّام والده (٢) عن أمره في كلّ ثلاث ماشيا ، وبينهما نحو من أربعة أميال أو أكثر ، ولقد أراد أخوه في الله الشّيخ عوض بن عمر شيبان السّابق ذكره في الغرفة أن يشتري له مركوبا ، فأبى وقال : لو أحسست بتعب .. لقبلت. ولقد كاد أن يخرج عن إهابه من الطّرب ؛ إذ تمثّلت له عند مثل هذا الكلام بقول العبّاس بن الأحنف [من البسيط] :
أرى الطّريق قريبا حين أسلكه |
|
إلى الحبيب بعيدا حين أنصرف |
وقول الآخر [كثيّر عزّة في «ديوانه» ١٠٩ من الطّويل] :
وكنت إذا ما جئت ليلى أزورها |
|
أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها (٣) |
__________________
(١) حلية الأولياء (٢ / ١١١).
(٢) أي : الحبيب محسن بن علوي ، المتوفى سنة (١٢٩١ ه) ، وعمر المترجم حينذاك (٣٠) عاما.
(٣) في «الديوان» : (سعدى) بدل : (ليلى).