الأبرّ ؛ وما أدري أذلك هو الواقع؟ أو إنّما هي دهشة النّظر ، وقد قال أبو الطّيّب [في «العكبريّ» ٣ / ٨١ من البسيط] :
خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به |
|
في طلعة الشّمس ما يغنيك عن زحل |
وربّما كان في مثل هذا إساءة أدب منّا ؛ إذ العلم لله ، وما نظنّ إلّا ظنّا ؛ لأنّ شمائله لم تكن لتخرج ـ بعد استثناء الجهاد ـ عن شمائل جدّه المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وههنا موضع قول كشاجم :
لو لا عجائب صنع الله ما نبتت |
|
تلك الفضائل في لحم ولا عصب (١) |
وإنّما أسهبت في الموضوع مع خروجه عن سمت المقصود ؛ لأنّ الزّمان انحطّ دفعة ، وتراذل فجأة ، فلم تكتحل عيون المتأخّرين بأحد من أمثال أولئك الّذين :
رضعوا لبان المجد في حجر العلا |
|
فعلوا على الأكفاء والأنداد (٢) |
وأظلّهم بيت النّبوّة وابتنوا |
|
شرفا على شرف بغير حداد |
فلهم إذا ما زرتهم وخبرتهم |
|
شرف الملوك وسيرة الزّهّاد |
قوم إذا سفروا حسبت وجوههم |
|
للنّاظرين أهلّة الأعياد |
فأحببت تقريرهم به عن مشاهدة بالعين ؛ كيلا تحملهم الظّروف السّيّئة بقياس المشاهدة على إنكارهم وتوهّم استحالتهم ، وما كانوا إلّا كما قال القطاميّ ، أو لقيط بن زرارة :
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم |
|
دجى اللّيل حتّى نظّم الجزع ثاقبه (٣) |
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو ليس لكشاجم ، بل لابن الرومي من قصيدته الطويلة التي مطلعها :
ما أنس لا أنس هندا آخر الحقب |
|
على اختلاف حروف الدّهر والعقب |
وعدد أبيات القصيدة (١٤٠) بيتا.
(٢) الأبيات من الكامل ، وهي لناصح الدّين الأرّجاني.
(٣) الأبيات من الطّويل ، وهي ليست للقطاميّ ، ولا للقيط بن زرارة ، بل لأبي الطّمحان القينيّ ، كما في «ديوان الحماسة» (٢ / ٢٧١ ـ ٢٧٢). دجى اللّيل : ظلمته. نظّم : جمع. الجزع : الخرز اليماني. ثاقبه : الّذي يضمه.