والخريف كلّ عشيّة إلى الفضاء الرّحب في سفوح يثمه (١) على طبخ القهاوي ، ومناشدة الأشعار ، ومبادلة النّوادر ، ثمّ لا يرجعون إلّا للعشاء ، مع نزاهة وصيانة وتباعد في المجالس ، بحيث لا يبين لأحد لون امرأة لا تحلّ ، إلّا من كانوا من المبرّزين الّذين لا تتحجّب نساؤهم .. فبين ما يفعلون وما يؤثر قديما عن سمر أهل ظفار .. بعد المشرقين.
وهذه السّفوح قاحلة ليس بها شيء من الأعشاب والأشجار إلّا تعاشيب من الإذخر والأشنان وما أشبه ذلك ، وحواليها مجاري السّيول والمطر بها قليلة الهطول ، ولكنّه منظر يجلو الهمّ ، ويفرّج الحزن ، ويجمّ الفؤاد.
ولمّا اشتكى الحبيب عليّ بن عبد الله السّقّاف ما يعتريه من الهمّ إلى الحبيب عبد الله بن علويّ الحدّاد .. أشار عليه بمقابلة وادي يثمه كلّما طرقه ، ففعل فنجح ، ووجد منه أفضل علاج له ولهذا اتّخذ بفناء مسجده مكانا في شرقيّه ينظر منه إليه.
وما أشبه حنين آل سيئون إليها .. بما كان من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأصحابه المهاجرين إلى مكّة المشرّفة ، حتّى لقد جاءه أصيل الغفاريّ من مكّة ووصف له خصبها ، وقال : إنّ الإذخر أورق ، والشّجر قد أعذق (٢) ، أو ما يشبه هذا ، فاغرورقت عيناه. وإن كان بلال ليرفع عقيرته إذا أخذته الحمّى ـ مع أنه لم يلاق بمكة إلا كل بلاء ـ ويقول [من الطّويل] :
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة |
|
بواد وحولي إذخر وجليل |
وهل أردن يوما مياه مجنّة |
|
وهل تبدون لي شامة وطفيل |
وفي جنوب تلك السّفوح في شرقيّ سيئون موقع مكاننا علم بدر (٣) ، وكلّما بارحته
__________________
(١) واد من الأودية المشهورة في سيئون. وهو الذي نشأ فيه الحبيب علي بن عبد الله السقاف ـ المتقدم ذكره ـ وبنى فيه مسجده. وهو يقع الآن داخل سيئون.
(٢) أعذق : أخرج ثمره.
(٣) أصل تسميته باسم السلطان علي بن بدر بن عمر بن بدر بوطويرق ، المتوفى بالشحر سنة (١١٠٧ ه). «تاريخ الدولة» (٨٦ ـ ٨٨). ولكن لما كثر دوران الاسم على الألسنة .. تحرف