وإن قصرت ذرعان قوم بحادث |
|
تلقّاه من آرائهم كاهل عبل |
تلذّ لنا أخبارهم وتذيبنا |
|
فواعجبا منها تمرّ كما تحلو |
يذكّرنيهم كلّ ممسى ومصبح |
|
فما زال في خدّي لتذكارهم طلّ |
ومن أواخر ما رأيت من بهجة القرن ونضارته : أنّني أصعد ذروة داري بعد المغرب سنة (١٣٥٥ ه) ، وهي سطح صغير قاصر الجدار ، يسافر الطّرف من ثلاث نواحيه ، إحاطة ثلثي الدّائرة ، كأنّها الكواكب المنتثرة ، والشّبّان أوزاع ، والفرح مخيّم على سائر البقاع ، فأستغرق في ذلك الجمال الباهر ، واللّذّة الّتي تحمي النّوم عن السّامر والسّاهر ، ثمّ عدت إلى مثل ذلك في سنة (١٣٦٣ ه) فكنت كما قال الرّضيّ [في «ديوانه» ١ / ٦٥٤ من الطّويل] :
نظرت الكثيب الأيمن اليوم نظرة |
|
فردّت إليّ الطّرف يدمى ويدمع |
إذ قد أدبر العيش ، وكرّ من الإدبار جيش ، وأديل النّور بالظّلام ، فلا سمر ولا غناء ولا سراج ولا كلام ، وكأنّما كلّ ذلك من الأحلام ، وما هو إلّا ببعض ما اكتسبوا ، ويعفو عن كثير والسّلام.
ولّى الزّمان وولّت الأيّام |
|
فعلى المنازل والنزيل سلام (١) |
ثمّ إنّي بعد أن خبت المصابيح ، وأوحشت السّطوح والمراويح .. هجرت الذرى ليلا ، وجعلت أتسنّمها غديات الخريف ، وأسرح النّظر من الجهات الثّلاث تاليا ما تعوّدته من الأوراد في الظّلّ الظّليل ، والجوّ البليل ، والرّيح العليل ، والفضاء الرّحب ، والهواء الطّلق الشبيه بنعيم الجنّة ، لا يمتاز به أحد ، وإنّما هو كجمال الأفلاك وأنوارها ، ما يكون منه عند هؤلاء .. يكون عند الآخرين ، ولهذا ينتفي التّحاسد عليه ؛ لأنّ النّاس مشاع فيه ، فأرى النّخيل الباسقة ، والقصور البيضاء الشّاهقة ، فأستغرق في النّعمة ، وأنبسط من البهجة ؛ إذ يظهر حينئذ ما يدهش العقل
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو للإمام عبد الله بن علوي الحداد في «ديوانه» (٤٧٤).