وشبيه أن يكون هذا المقتول هو ذا نواس الحميريّ ؛ فإنّه الّذي قتله الأحباش) اه
وفي مذكّراتي عن بعض التّواريخ اليمنيّة أنّ أوّل نائب من جهة الحبشة كان عربيا مسيحيا يقال له : (سيمافع أشوع) ، ثم تبعه أبرهة المشهور. اه وهي فائدة حسنة ؛ لتقارب الاسمين.
وسمعت أنّ هذا الضّابط الّذي نقل النّقوش يقال له : (والستماد) ، وهو صادق في قوله : (أنّ الأحباش قتلوا ذا نواس) ؛ لأنّهم إن لم يقتلوه مباشرة .. فقد ألقى بنفسه في البحر ، لمّا انهزم من أرياط وأبرهة الحبشيّين.
وذو نواس هذا هو الّذي أجبر أهل نجران على التّهوّد ، وخدّ لهم الأخدود ، فكان في غزو الأحباش له انتصار للمسيحيّة ، وأخذ بالثّأر (١).
أمّا مدّة الأحباش باليمن : فقد كانت قصيرة ، حسبما هو مفصّل «بالأصل».
وموجود في «سيرة ابن هشام» [١ / ١٥١] وغيرها : (وأوّل من ملك منهم أرياط ، بعثه صاحب الحبشة على جيوشه لمّا تهوّد ذو نواس ، وأحرق الإنجيل .. ففتح أرياط اليمن واستقرّ في ملك ذي نواس ، ثمّ ملك بعده أبرهة الأشرم ، وهو صاحب الفيل ، ثمّ ملك بعده ابنه أكسوم (٢) ، ثمّ ملك بعده أخوه مسروق ، وهو آخر من ملك اليمن من الحبشة ، وذلك أنّ سيف بن ذي يزن استعاذ بكسرى على مسروق .. فأمدّه بجيش ، ففتح به اليمن ، وبقي نائبا عن كسرى حتّى قتله بعض من استخلصه من
__________________
(١) الملك هذا هو : الملك ذو نواس الأصغر ؛ واسمه : زرعة بن عمرو بن زرعة الأوسط ابن حسّان الأصغر بن عمرو بن زرعة الأكبر ابن عمرو بن تبّع الأصغر بن حسّان بن أسعد تبّع.
وهو صاحب الأخدود ، سمّي يوسف لما تهوّد ، وقيل : سمّي ذا نواس ؛ لذؤابتين كانتا تنوسان على رأسه. وكان على دين اليهود ، فشكا إليه يهود نجران غلبة النّصارى .. فنهض بالجنود إلى نجران فحفر الأخدود ، وأضرم النّار فيه ... وفيهم نزلت الآيات.
ثمّ ذكر أنّ : ذو ثعلبان الأصغر الحميري مضى إلى النّجاشيّ ـ ملك الحبشة ـ وكان نصرانيّا واستغاث به .. فأرسل معه قائدا على رأس جيش عداده ثلاثون ألفا .. فغدر بهم ذو نواس ، وقتل منهم أعدادا كثيرة ، فغضب نجاشيّ الحبشة فأرسل جيشا أعظم من الأوّل على رأسه أرياط وأبرهة .. فلمّا لاقاهم ذو نواس ورأى عجزه عن قتالهم .. اقتحم البحر بنفسه وفرسه ، فغرق فيه. اه بتصرّف يسير واختصار من : «خلاصة السّيرة الجامعة» (١٧٥ ـ ١٧٦).
(٢) في «سيرة ابن هشام» : (يكسوم). والله أعلم.