ما بقي فينا نافخ ضرم. فتبادلوا إطلاق الرّصاص ، وأصيب أحد العسكر وأحد آل باجريّ بإصابات خفيفة ، ثمّ أحاط آل باجريّ بالعسكر في كوت لأحدهم ـ وهو بدر بن صلاح بن يمانيّ ، كان العسكر أرضوه فدفعه لهم ـ وبإثر تطويق آل باجريّ للكوت .. سفر السّفراء بينهم ، وسوّيت المسألة بالّتي هي أحسن ، وأبلغوا العبيد المأمن ، وطلب منهم بعض الزّعماء أن يخضعوا للضّابط الإنكليزيّ .. فأبوا.
ولكنّ هذا كان قبل جلاء ابن عبدات عن الغرفة ، أمّا بعده .. فقد هانت الشّنافر حتّى صاروا أذلّ من الأيدي في الأرحام ، وصدق عليهم ما قدّمته في القصيدة الّتي وصفت بها زوال ابن عبدات.
وفي شوّال من سنة (١٣٦٦ ه) .. ادّعى السّيّد عبد القادر بن شيخ العيدروس على أحد آل باجريّ بدعوى في بئر ، وتوجّه له القضاء ، فامتنع باجريّ عن قبول الحكم بتشجيع من رجل منهم يقال له : عبد بن عليّ ، فرصدته الحكومة الكثيريّة حتّى قيل لها : إنّه بتاربه ، فأرسلت له عسكرا ، فأخذوه منها إلى سيئون ، ولكنّ أصحابه علموا ، فتحزّبوا ولاقوهم أثناء الطّريق ، وأطلقوا عليهم الرّصاص ، فتراجعوا ، وأفلت عبد بن عليّ وعاد العسكر بالفشل ، فغضبت الحكومة الإنكليزيّة ، وأرسلت بثلّة من جيش البادية (١) المحافظ على أمن الطّريق بعتادهم ومعدّاتهم ، فلانت أعصاب آل باجريّ ، وانشقّت عصاهم ، وما كلّ مرّة تسلم الجرّة ، فتوسّط الشّيخ محمّد سالمين بن جعفر بن بدر العوينيّ ، فسوّيت المسألة على : تسليم البنادق الّتي صوّبت رصاصها على العسكر ، وغرامة ألف روبيّة ، وحبس عبد بن عليّ ثلاث سنين بالمكلّا تحت الأعمال الشّاقّة.
__________________
(١) جيش البادية : أنشأه انجرامس في عام (١٩٣٩ م) تقريبا ، قال في «مذكراته» : (لقد اقترحت إنشاء قوة من البدو لتكون قوة بو ليس للمناطق النائية التي كان لها اتصالات ضعيفة بالسلطنتين) ... إلخ.
ولقد أرادت بريطانيا من هذا الجيش أن يكون يدها التي تبطش بها من غير أن تستفز المشاعر الوطنية ، وكان أفراد هذا الجيش يربّون على الانتماء المطلق ل (بريطانيا) ، وكان عدده عند تكوينه (٥٠) رجلا خصص له (١٢) جملا ، وسيارتين ، وجهاز لاسلكي. ينظر : «سياسة بريطانيا تجاه حضرموت» للأستاذ صادق عمر مكنون السقاف (١٠٢ ـ ١٠٣).