وكان السّيّد عقيل بن عبد الله شهما قويّ النّفس ، حميّ الأنف ، كما يعرف من قضيّة النّويدرة.
فتى عنده حسن الثّواب وشرّه |
|
ومنه الإباء الملح والكرم العذب (١) |
وكان رجل جدّ ، وله غرائب ؛ منها : أنّه حجّ ، وانعقدت بينه وبين ـ المثري الشّهير صاحب الخيرات الكثيرة ، والأربطة المعروفة بمكّة وجدّة ـ فرج يسر صداقة متينة ، ولمّا عزم السّيّد عقيل على السّفر إلى جاوة بعد أداء النّسكين .. قال له : مثلك لا ينبغي أن يغيب عن حضرموت.
فقال له : لا يمكنني الرّجوع إليها إلّا ببسطة كفّ أستعين بها على حقوق الشّرف والمجد. قال له : كم تؤمّل من جاوة؟ قال : ما أنت وذاك؟
فألحّ عليه ، فقال له : لا يمكنني الرّجوع إلى حضرموت إلّا بثمانين ألف ريال.
فأعطاه إيّاها مع ملء مركب شراعيّ من الأرزّ وما يناسبه من البضائع والحبوب ، وبمجرّد ما وصل إلى حضرموت .. بنى سدّا للماء في مسيال عدم ، كلّفه نحوا من خمسين ألفا من الرّيالات ، فاجتاحه السّيل في ليلة واحدة!
وما زال السّيّد عقيل على كسب الجميل ، وفعل الجليل ، لا يقرّ على ضيم ، ولا يلين لقائد ، ولمّا لم يجد عند الكثيريّ للنّفع والصّنيع موضعا .. انبرى للمضرّة على حدّ قول عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر ـ وكان كما في «طبقات النّحاة» من الفصحاء ـ [من الطّويل] :
إذا أنت لم تنفع .. فضرّ فإنّما |
|
يرجّى الفتى كيما يضرّ وينفعا (٢) |
وقال الشّريف الرّضيّ [في «ديوانه» ١ / ٤١٥ من مجزوء الرّجز] :
من معشر لم يخلقوا |
|
إلّا لنفع وضرر |
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لأبي تمام في «ديوانه» (١ / ١٤٣).
(٢) البيت للنّابغة الجعديّ في «ديوانه» (١٠٦).