وأخبار العلّامة ابن شهاب أكثر من أن يتّسع لها المجال ، وهو الّذي مهّد له الصّواب ، وأطلق الخطاب ، وألين القول ، وأطيل الجول.
كأنّ كلام النّاس جمّع حوله |
|
فأطلق في إحسانه يتخيّر (١) |
لقد أخذ قصب السّبق ، ولم تنجب حضرموت مثله من الخلق.
أمّا في الفقه .. فكثير من يفوقه من السّابقين ، بل لا يصل فيه إلى درجة سادتي : علويّ بن عبد الرّحمن السّقّاف وعبد الرّحمن بن محمّد المشهور ، وشيخان بن محمّد الحبشيّ ، ومحمّد بن عثمان بن عبد الله بن يحيى من اللّاحقين.
وأمّا في التّفسير والحديث .. فلا أدري.
وأمّا في الأصلين ، وعلم المعقول ، وعلوم الأدب والعربيّة ، وقرض الشّعر ونقده .. فهو نقطة بيكارها ، وله فيها الرّتبة الّتي لا سبيل إلى إنكارها.
وقد رأينا أشعار إمام الإباضيّة ، والشّيخ سالم بافضل ، وابن عقبة ، وعبد المعطي ، وعبد الصّمد ، ومطالع القطب الحدّاد الرّائعة ، ومنقّحات العلّامة ابن مصطفى الشّاعرة ، فضلا عمّن دونهم .. فلم نر أحدا يفري فريه (٢) ، ولا يمتح بغربه (٣) ، ولا يسعى بقدمه ، والآثار شاهدة والمؤلّفات والأشعار ناطقة.
مجد تلوح حجوله وفضيلة |
|
لك سافر والحقّ لا يتلثّم (٤) |
أما إنّ كلامه ليسوق القلوب النّافرة أحسن مساق ، ويستصرف الأبصار (٥) الجامحة كما تستصرف الألحاظ العشّاق.
ينسى لها الرّاكب العجلان حاجته |
|
ويصبح الحاسد الغضبان يرويها (٦) |
__________________
(١) البيت من الطّويل.
(٢) يفري فريه : يعمل عملا متقنا كعمله.
(٣) يمتح : يستقى. بغربه : دلوه العظيمة.
(٤) البيت من الكامل ، وهو لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ١٠٤).
(٥) يستصرف الأبصار : يردّها عن وجهتها.
(٦) البيت من البسيط ، وهو من قصيدة لابن نباتة السعدي.