وقال عمر بن أبي ربيعة لكثيّر : أخبرني عن قولك لنفسك ولحبيبتك [في «ديوان كثير» ٤٧ ـ ٤٨ من الطّويل] :
ألا ليتنا يا عزّ من غير ريبة |
|
بعيرين نرعى في الخلاء ونعزب |
كلانا به عرّ فمن يرنا يقل |
|
على حسنها جرباء تعدي وأجرب (١) |
إذا ما وردنا منهلا صاح أهله |
|
علينا فما ننفكّ نرمى ونضرب |
وددت وبيت الله أنّك بكرة |
|
هجان وأنّي مصعب ثمّ نهرب (٢) |
نكون بعيري ذي غنى فيضيعنا |
|
فلا هوّ يرعانا ولا نحن نطلب |
ويلك! تمنّيت لها الزّفّ والجرب والرّمي والطّرد والمسخ!! فأيّ مكروه لم تتمنّه لكما؟ أما والله لقد أصابها منك قول الأوّل : (مودّة الأحمق .. شرّ من معاداة العاقل).
وعاتبته عزّة على ذلك ، ومعاذ الله أن يسلموا من سوء العاقبة.
وما وقع فيه أبو فراس لا ينقص ـ إن لم يزد ـ على ما تمنّاه كثيّر ، وسبق في ذي أصبح أنّ جدّي المحسن كان يقول : ما نعني بالأسماع والأبصار عند ما ندعو بحفظها إلّا حسن بن صالح وأحمد بن عمر وعبد الله بن حسين ، ولكنّه أضرّ بالآخرة ، ومثله المترجم .. فلا بعد أن يكون من تلك البابة.
كما تبت عن الدّعاء بقول سيّدنا عمر بن الخطّاب : (بل أغناني الله عنهم) ، لما قيل له : (نفعك بنوك) ، وكنت أستحسنه وأدعو بمقتضاه ، حتّى تفطّنت لما فيه ، ورأيت أنّ أبناء ابن الخطّاب لم يكونوا هناك ، وليس هو بأفضل من العبد الصّالح إذ عوقب على قوله : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ) كما جاء في الحديث.
بعد هذا كلّه ذهبت النّشوة ، وانجابت الغفوة ، وظهر ما تحته من الهفوة.
وفي رواية عن الشّافعيّ : أنّه لا يحبّ أن يقال في التّعزية : أعظم الله أجرك ؛ لما
__________________
(١) العرّ : الجرب.
(٢) البكرة : الفتية من الإبل ، المصعب : فحل الإبل.