السّلطان المحسن أن يوليها ماليّة البلاد ، ففعل وأمّل النّاس من ذلك خيرا ، فانعكس الظّنّ ، وتضاعفت المكوس ، وكانت على قلّتها تؤخذ باحترام وتواضع .. فصارت على كثرتها تؤخذ بتجبّر وإهانة ، ولم تزل والاستبداد روحها ، والمستشارون لا يزيدون على الموافقة ، والمعارضة تكاد تكون بينهم من المستحيلات ، ولذا فإنّ رئيسها لا يتبدّل إلّا فترات قليلة لتحليل الشّرط.
وظهرت بعد ذلك (جمعيّة الأخوّة والمعاونة) ، وبدأت بنشر التّعليم في البوادي ، ثمّ ظهرت الأغراض وشهوات الاستعلاء ، ومحبّة النّهي والأمر ، فكانت كسابقتها (١).
ومن أعمالها : أنّها اتّهمت نظّار أوقاف المساجد بتريم فانتزعتها منهم بمبرّر وبدون مبرّر ، ولكن كان الإصلاح أنزر ، والإنفاق أغزر ، فبعد أن كانت مغلّات أكثر المساجد تزيد من نفقاتها .. صارت تنقص ، مع التّقصير في العمارة ، بل قيل : إنّ الدّين ارتكب بعض المساجد فوق ذلك.
وقد جاء في (ص ٢٥٤ ج ١) من «المشرع» : (أنّ من خواصّ تريم طيب عيشها ، خصوصا لأهلها الّذين لا تعلّق لهم بالدّول) اه (٢)
وذلك مجرّب ، أمّا الّذين يتعلّقون بها لتكون لهم الكبرياء في الأرض .. فلا يزيدون على أن ينشبوا أنفسهم في المتاعب ، وينشبوا غيرهم في المصاعب.
ومن البلاء الّذي لا يعدله بلاء : أنّ مقرّرات الإقليم كلّه من ساحله إلى أقصاه ، سواء كانت من الأفراد أو من الهيئات .. لا تكون كما يشاء الحقّ والإنصاف ، وإنّما تكون مشابة بالمحاباة أو بالحسد أو بالأغراض ، وكلّه ناشىء عن نقص الأخلاق ، وهو من أكبر المصائب ، لا أكبر منه إلّا عدم التّفكير في علاجه مع اشتمال الجمّاء الغفير من الخاصّة عليه عن معرفة بأحوال أنفسهم ، وتعمّد منهم فيما يفعلون ، ومهارة
__________________
(١) ينظر كلام مؤسسها السيد محمد الشاطري عنها في كتابه : «أدوار التاريخ الحضرمي» (٢ / ٤٢٣ ـ ٤٢٥).
(٢) في «المشرع» جاءت العبارة هكذا : (الذين لا تعلق لهم بالدول والدنيا) اه وهي واضحة المعنى والمغزى.