عاد .. جعل إليه أمر مينتيغ ، فهتك الأستار ، وضرب الأبشار ، وسار فيها سيرة متكبّر جبّار ، ولمّا زاد تجرّؤه وقتل واحدا .. رفعت عليه دعوى ، وحكم عليه بالإعدام ، فدافع عنه أبوه ، ورهن تلك القرية ، وخلّصه ، ولما خاف أن يغلق الرّهن .. باعها وعمل بما بقي تجارة رأس عليها عبد المطّلب ، فأضاعها ، ثمّ توفّي عليّ بن أحمد قريبا.
وله ولد يسمّى ضياء ، له أدب ولطف وشهامة ، ومات عبد المطّلب وقد دخلت الآن تلك القرية في بتاوي لاتّساع العمارة ، وارتفع ثمنها ارتفاعا هائلا.
وكان في وادي دمّون (١) عيون جارية ، تسقي كثيرا من المزارع والنّخيل والبساتين ، فشملها ما كان من تعدّي معن بن زائدة بسكرها (٢).
وكان الشّيخ عبد الكبير باحميد يتعبّد في هذا الوادي ، وأنبط الله له عينا (٣) تجري على الأرض باقية إلى اليوم ، إلّا أنّها لا تصل إلى المزارع ولا إلى قريب منها ، وإنّما ينتفع بالشّرب منها المنتجعون إذا أجدبت نجودهم ، وتسقي نخيلات بقربها. وماؤها وشل (٤) يتقاطر من شقّي حجرة واحدة ، يخرج أحدهما حارّا والآخر باردا ، ولكنّ المشاهدة الآن لا تصدّقه ، مع أنّه جاء في حوادث سنة (٦١٧ ه) من «تاريخ شنبل» أنّ عبد العظيم باحميد أنبط غيل دمّون وزرع عليه ، وقد ذكر سيّدي أحمد بن حسن الحدّاد بفوائده في دمّون هذه ما قيل في دمّون الهجرين ، فإمّا أن يكون انتقال فكر ، وإمّا أن يكون السّبب في التّسمية واحدا.
__________________
(١) وادي دمّون : واد واسع مفرّع ، به من النخيل المصطفة والأراضي الزراعية الواسعة الطيبة ما يروق للعين. وهو يشكل مع وادي عيديد ما يمكن أن يعبر عنه بالجناحين لمدينة تريم ، ويقع في الجهة النجدية (الشمالية) لها ، بينما عيديد في الجهة البحرية (الجنوبية) الغربية منها ، كما تقدم.
وفي «بغية من تمنى» مزيد تفصيل وإيضاح ، ينظر (١ ـ ١١).
(٢) أي : إغلاقها وطمسها. وفي «أدوار التاريخ» (١ / ١٤١ ـ ١٤٢) ، و «الحامد» (١ / ٢١٥ ـ ٢٢٠) ذكر لبعض أفاعيله .. فلتنظر منهما.
(٣) أنبط له عينا : أخرجها له.
(٤) وشل : قليل يتقاطر.