حضرة الأستاذ ، وهو رجل شهم ، ذو أيد وقوّة ، فلقد شهدت سيّدي الأستاذ الأبرّ تحت نخلة من بستاننا ظليلة بعد الظّهر إذ سقط عذق والنّاس ملتفّون ، وكاد يقع على عمامة سيّدي الأستاذ ، فنهض المنصب بو بكر نصف نهضة وتلقّاه بيد واحدة كأنّه كرة ، مع أنّه لا ينقص وزنه عن أربعين رطلا.
وله اطّلاع على أسرار الأسماء والحروف ، ومعرفة بالأوفاق ، وله خطّ جميل .. وكتب «رسالة» ـ أظنّها تتعلّق برحلته واتّصاله بالأستاذ ـ ذكر فيها أخذ الحبيب أحمد بن سالم عن الأستاذ ، وفرقان ما بين حاله قبل أخذه وبعده ، وأطنب في ذلك بصورة مشوّقة لم يبق بذهني منها إلّا اليسير ، ولا لوم ؛ فقد كنت يومئذ حوالي السّابعة من عمري ، ولو لا أنّ خطّه كان بديعا حسنا ، وأنّ الرّسالة كانت مزيّنة بالألوان والنّقوش .. لم يبق لها أثر عندي البتّة ، لكنّ وجودها بالصّفة الّتي تستلفت أنظار الصّبيان هو الّذي حمّلني منها ما لا تزال بقاياه بالذّاكرة على بعد العهد وصغر السّنّ ، مع أنّي لم أنظرها إلّا وقت وجوده بحضرموت ، وهو عام (١٣٠٦ ه) كما تقدّم.
توفّي الحبيب أحمد بن سالم فجأة سنة (١٣٢٤ ه) (١) ، ووقع رداؤه على ولده عليّ ، وكان شابّا نشيطا ، مضيافا كثير الإصلاح بين الجنود ، وكان السّيّد حسين بن حامد يكرهه ويحسده ؛ لامتداد نفوذه وجاهه ، وله معه مواقف لم يلن فيها جانبه ، ولم يزلّ نعله ، ولم يعط المقادة ، ولم يسلس الزّمام.
حجّ في سنة (١٣٤٥ ه) ، وأكرم وفادته الملك ابن سعود ، وأعطاه خنجرا ومئة جنيه من الذّهب ، وتوفّي سنة (١٣٤٩ ه) (٢).
__________________
عبد الرحمن المنصب الذي ذكره المؤلف. ينظر : «حاضر العالم الإسلامي» للأمير شكيب أرسلان (٣ / ١٧٨) ، و «تعليقات ضياء شهاب على شمس الظهيرة» (١ / ٢٩٤ ـ ٢٩٥).
وبالمناسبة : فإن سلاطين جزر القمر هم من آل الشيخ أبي بكر بن سالم. ينظر «تعليقات السيد ضياء» (١١ / ٢٩٤).
(١) كانت وفاته في (٢٨) رجب من السنة المذكورة ، وقبته هي سابع قباب آل الشيخ بعينات ، وينظر طرف من أخباره في «البستان» (١٩١ ـ إلى آخره).
(٢) كانت وفاته في (٣) شعبان من السنة المذكورة.