.................................................................................................
__________________
والحاصل : أنّ الحديث في مقام بيان وجوب ردّ المأخوذ الموجود إلى مالكه ، ولا يدلّ على وجوب ردّ بدله بعد التلف ، لأنّ ظاهره كون المضمون ما هو الموجود خارجا ، لا الأعمّ منه ومن المعدوم الذي يعتبر موجودا باقيا ، فلا يستفاد من الحديث اعتبار نفس العين على العهدة بعد التلف ، كما لا يستفاد ذلك أيضا من أدلّة الضمانات.
فالمرجع حينئذ في كيفيّة الضمان هو العرف ، ومن المعلوم أنّهم يحكمون بضمان المثل في المثليّ والقيمة في القيميّ ، لأنّ ذلك أقرب إلى التالف ، وصدق الجبران وتدارك الفائت عليه أولى من غيره ، كمطلق الماليّة ، فالضمان من أوّل الأمر يتعلّق ببدل التالف مثليّا أو قيميّا ، لا بنفس العين بوجودها الاعتباريّ ، فإنّه وإن كان ممكنا ثبوتا ، لكنّه لا دليل عليه إثباتا.
ثمّ إنّ الظاهر ـ كما أشير إليه ـ عدم تعبّد في نفس الضمان ولا في كيفيّته ، بل كلاهما من الأحكام العقلائيّة ، فما اشتهر بين الأصحاب من ضمان المثليّ بالمثل والقيميّ بالقيمة ممّا يساعده الارتكاز العقلائيّ ، فالضمان عندهم عبارة عن عهدة الخسارة للمال بالتلف. ولا ينافي هذا الارتكاز شيء من أدلّة الضمان ، فالضمان المأخوذ في أدلّته ليس إلّا عهدة الخسارة في صورة التلف ، وجبران الخسارة بمقتضى الارتكاز العقلائيّ إنّما هو بالمثل في المثليّ ، وبالقيمة في القيميّ.
إذا عرفت هاتين المقدّمتين فاعلم : أنّ مقتضى العلم الإجمالي باشتغال ذمّة الضامن بإحدى الخصوصيّتين اللّتين هما بدل التالف ـ لحكم العقل بأنّ الضمان هو تدارك خسارة التالف ببدله الأقرب إليه ، وهو المثل أو القيمة ـ هو الاحتياط بدفع المثل والقيمة إلى المضمون له ، غاية الأمر أنّه يجب على المالك أخذ أحدهما ، للإجماع على عدم الاحتياط في الماليّات ، ولقاعدة الضرر. ولو لم يرض بأحدهما فالظاهر تعيّن القرعة بناء على جريانها في الشبهات الحكمية ، وإلّا فالصلح القهري.