البحث
البحث في رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن
(إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (٣٦)
فأثنى عليهم لما سمعوا داعيه بالإجابة التي أمرهم بها سبحانه في قوله : (يا قومنا أجيبوا داعي الله) وكرامة عنده سبحانه وتعالى إجابته لهم إذا دعوه ، لارتباط الحكمة في المناسبة ، فلا يجاب إلا من يجيب ، ألا تراه سبحانه وتعالى كيف قال : (أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي) فإذا صحت لهؤلاء الإجابة لما دعاهم إليه ، وهو حقيقة السماع ، صحّ لهم إجابته إذا دعوه ، والله ذو الفضل العظيم. وجعل تعالى علة الإجابة السماع ، لا من قال إنه سمع وهو لم يسمع ، كما قال تعالى ينهانا أن نكون مثل هؤلاء فقال : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) فالسمع هنا هو عين العقل لما أدركته الأذن بسمعها من الذي جاء به المترجم عن الله تعالى ، وهو الرسول صلىاللهعليهوسلم الذي لا ينطق عن الهوى ، فإذا علم ما سمع ، كان بحسب ما علم ، فإن العلم حاكم قاهر في حكمه لا بد من ذلك ، وإن لم يكن كذلك فليس بعلم ، وقد دعانا الله لما خلقنا له من عبادته فسمعنا ولما سمعنا استجبنا ، فأخبر الله عنا بسرعة الإجابة لما ذكرها ببنية الاستفعال ، وهنا نكتة وسر دقيق ، فهذه الآية تشير إلى شمول رحمة الله بخلقه فأخبر أنه ما استجاب إلا من سمع فوجد العذر من لم يسمع ، كما وجد العذر من لم تبلغه الدعوة الإلهية ، فحكمه حكم من لم يبعث الله إليه رسولا ، وهو تعالى يقول : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وما هو رسول لمن أرسل إليه حتى يؤدي رسالته ، فإذا سمع المرسل إليه أجاب ولا بد ، كما أخبر الله تعالى عنه لما جاء به هذا الرسول في رسالته ، فإذا رأينا من لم يجب علمنا بإخبار الله أنه ما سمع ، فأقام الله له حجة يحتج بها يوم يجمع الله الرسل ، وما أقام الله العذر عن عباده إلا وفي نفسه أن يرحمهم ، فرحم بعض الناس بما أسمعهم فاستجابوا لربهم وأقاموا الصلاة ، ومن لم يستجب اعتذر الله عنه بأنه لم يسمع ، وهذا من حكم الغيرة الإلهية على الألوهة أن يقاومها أحد من عباده بخلاف ما دعت إليه ، إذ لو علم أنهم سمعوا وما استجابوا لعظّمهم في أعين الناس ، وجعلهم في مقام المقاومة له ، فلا تقل فيمن لم يجب إنه سمع فتخالف الله فيما أخبر عنهم ، وقد أخبر الله تعالى عنهم أن بهم صمما وأخبر عنهم أنهم قالوا : في آذاننا وقر ، فطابق قولهم في آذاننا وقر قول الله أنهم صم ، فلم يسمعوا.