المشتق طرفا لنسبة ، حيث يحمل حال الجري على حال تلك النسبة ، فإن قيل : تصدق على فقير ، كان ظاهره إرادة من هو فقير حال التصدق ، وإن قيل : إن جاء زيد دعا الأغنياء ، كان ظاهره إرادة من هو غني حال الدعوة ، وغير ذلك مما تقتضيه المناسبات العامة والخاصة.
ثم إنه لا ينبغي التأمل في أنه لا يعتبر في صدق المشتق التلبس بالمبدإ ـ أو ملكته أو قابليته أو غير ذلك مما تقدم في الأمر السابق ـ في خصوص حال النطق ، بل يكتفى به فيما قبله أو بعده ، لعدم العناية في الاستعمالات السابقة.
وحينئذ لا بد من كون النزاع في اختصاص المشتق بالحال أو عمومه لحال الانقضاء إنما هو بلحاظ حال الجري الذي هو ظرف الاتحاد الملحوظ بين الذات والعنوان ، بمعنى أنه هل يعتبر في اتحاد الذات والعنوان وجريه عليها في زمان تحقق التلبس في ذلك الزمان أو يكفي فيه التلبس قبله ، وإن لم يحصل التلبس فيه؟ ولعل لالتباس حال الجري بحال النطق ـ بسبب كون التطابق بينهما مقتضى الإطلاق ـ دخلا في اشتباه حال المشتق ، ولوقوع النزاع فيه ، على ما قد يتضح عند بيان المختار والاستدلال له.
إذا عرفت هذا ، فاعلم أن الأقوال في المسألة وإن كثرت ، إلا أن الحق منها هو القول باختصاص المشتق بحال التلبس ، من دون فرق بين أقسامه وحالاته. لأنه المتبادر في الجميع ، ولصحة السلب عما انقضى عنه التلبس بلا ريب. ولذا كان المرتكز تضاد العناوين الاشتقاقية إذا كانت مباديها متضادة ـ كالحاضر والمسافر ، والأسود والأبيض ، والغني والفقير ، والقائم والقاعد ، والمجتهد والعامي ـ مع وضوح إمكان اجتماعها في زمان واحد بناء على عموم المشتق لحال الانقضاء ، وذلك بلحاظ اختلاف زمان التلبس. وأدنى سبر لموارد صدق المشتق موجب لوضوح ما ذكرنا ، بعد ملاحظة ما سبق في الأمر الثاني والثالث.