وأخرى : في أخذ علوّ الآمر والناهي أو استعلائه في مفهومهما.
وثالثة : في ظهورهما ـ وضعا أو إطلاقا ـ في الإلزام.
والذي ينبغي أن يقال : لا إشكال بعد النظر في المرتكزات العرفية في مباينة الأمر والنهي للإرادة والكراهة النفسيتين ، وتقومهما بالخطاب الذي قد يكون مسببا عن الإرادة والكراهة ، وقد يكون مسببا عن أمر آخر ، كالامتحان ، نظير ما سبق في حقيقة الأحكام الاقتضائية في مقدمة علم الأصول. فليس الأمر والنهي إلا عبارة عن الخطاب بالحث نحو الشيء أو بالزجر عنه وإن لم يكن مسببا عن الإرادة أو الكراهة النفسيتين ، فهو غير ملازم لهما ، فضلا عن أن يتحد معهما.
نعم ، الظاهر عدم الاكتفاء فيهما بمطلق الحث والزجر ، بل يختصان بما يبتني منهما على اعتماد الآمر والناهي على قوته ونحوها مما يوجب متابعته وتنفيذ أمره على المأمور والمنهي ، إما لسلطان غالب أو لحق لازم. غايته أنه لا يعتبر كون وجود أحد هذين الأمرين حقيقيا ، بل يكفي كونه وهميا أو ادعائيا من قبل الآمر والناهي ، بل لا يكفي الوجود الحقيقي إذا لم يبتن الخطاب عليه.
ومرجع ذلك إلى اعتبار الاستعلاء ، دون العلوّ. خلافا لما ذكره غير واحد من العكس.
ومن هنا كان الظاهر توقف مفهوم الأمر والنهي على الإلزام ، كما هو المتبادر من إطلاقهما ، بل الظاهر صحة السلب عن غيره ، وإن صح إطلاقه على ما يعمه باستعماله في مطلق الطلب أو الزجر بنحو من العناية ، كما هو الحال في مقام التقسيم للإلزامي وغيره.
وقد يشهد بما ذكرنا جملة من الآيات والروايات المتضمنة ترتب العقاب أو الذم على المخالفة والتحذير منها ، كقوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ