هذا ، وأما التراخي فقد سبق أنه لم يعرف القول بوجوبه ، بل غاية الأمر وجود متوقف فيه.
وقد يستدل للزومه بأن الواجب غالبا يحتاج إلى مقدمات مستلزمة للتراخي في امتثاله قهرا.
لكنه يندفع : بأن الاضطرار للتأخير غالبا لا يستلزم مطلوبيته ، بنحو يلزم التأخير حتى مع عدم احتياج الواجب لمقدمات تقتضي صرف الوقت أو مع تحققها قبله. ومن هنا لا مخرج عما ذكرنا من عدم دلالة الأمر بنفسه على الفور ولا على التراخي ، بل على الطبيعة المطلقة الحاصلة مع كل منهما ، وهو راجع إلى جواز التراخي.
بقي في المقام أمور ..
الأول : أنه قد يستفاد الفور العرفي من شاهد الحال ، كما يكثر في الخطابات الشخصية غير المبنية على التقنين العام ، حيث يغلب صدورها عند الحاجة للأمر المطلوب ، لا لمحض بيان تحقق موضوع التكليف به ، سواء كانت الخطابات تنجيزية ، كما لو قيل : ناولني ماء أو أغلق الباب ، أم تعليقية ، كما لو قيل : إن أظلم الليل فأغلق الباب ، وإن طرقت الباب فافتحها. كما ربما يحتف بالخطاب ما يصرفه لوقت آخر.
وهذا بخلاف القوانين العامة ، كما في موارد القضايا الحقيقية ونحوها ، فإن المراد بها محض بيان تحقق موضوع التكليف ، من دون أن تكون ظاهرة في بيان وقت العمل به ، فلا يخرج فيها عن مقتضى الإطلاق المتقدم إلا بقرينة.
الثاني : لو لم يكن للخطاب إطلاق فلا إشكال في أن مقتضى أصل البراءة عدم وجوب الفور ولا التراخي بنحو تعدد المطلوب ، بل ولا بنحو وحدة المطلوب قيدا في المأمور به ، بناء على المشهور المنصور من أن المرجع مع الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين البراءة.