ثم إنه قد يستدل لوجوب الفور بقوله تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ)(١) ، وقوله سبحانه : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ)(٢) ، وقوله تعالى :
(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ)(٣) ، بدعوى : أنه ليس المراد من المغفرة والجنة إلا سببهما ، ومنه فعل الواجبات التي هي من الخيرات أيضا.
وفيه : أولا : أن سببية فعل الواجبات للمغفرة والجنة وكونه من الخيرات ـ بناء على أن المراد بها الأخروية ، كما هو الظاهر ، وعليه يبتني الاستدلال ـ في رتبة متأخرة عن تعلق الأمر ، فلا يصلح الأمر بالمسارعة والاستباق إليها لتقييد موضوع الأمر شرعا ، بنحو يكون عدم المسارعة وعدم الاستباق مخرجين لها عن كونها سببا للمغفرة والجنة ومن الخيرات ، لخروجها عن المأمور به.
وثانيا : أنه لو حملت على الإلزام المولوي لزم تخصيص الأكثر بلحاظ الواجبات الموسعة والمستحبات ، وهو آب عن التخصيص. ودعوى : أن خروجها تخصص لا تخصيص ، لاستحالة وجوب ما يجوز تركه ، فلا يهم كثرته. ممنوعة ، لأن استحالة شمول الحكم لبعض أفراد العام لا يقتضي خروجه تخصصا ، بل هو تخصيص عقلي قد يستبشع إذا كثر ، أو كان العام آبيا عن التخصيص ، فيكون قرينة على إرادة ما لا يلزم منه ذلك.
وبذلك يظهر أنه لا مجال لحملها على وجوب الفور بنحو تعدد المطلوب من دون أن يرجع إلى تقييد المأمور به ، وإن لم ينهض بمنعه الوجه الأول. بل يتعين حملها على الإرشاد إلى حكم العقل بحسن البدار للطاعات مطلقا وإن لم تكن واجبات.
__________________
(١) سورة آل عمران الآية : ١٣٣.
(٢) سورة الحديد الآية : ٢١.
(٣) سورة البقرة الآية : ١٤٨.