ويكون العبد أهلا لرحمته وثوابه وبعيدا عن نقمته وعقابه ، نظير تحبب الإنسان لعشيرته بالإحسان إليهم ، لأنهم جناحه الذي به يطير ويده التي بها يصول ، حيث لا إشكال في كونه متقربا لهم ، ومستوجبا لشكرهم وامتنانهم ، واستحقاق الجزاء منهم.
إن قلت : من المعلوم أن داعي الداعي هو الداعي الحقيقي ، فاذا أمر زيد بإطاعة عمرو فمن أتى بالفعل إطاعة لأمر عمرو بداعي إطاعة أمر زيد كان الداعي الحقيقي للفعل هو إطاعة زيد ، ويكون التقرب له ، لا لعمرو ، وحيث فرض في المقام أن الداعي للفعل بداعي إطاعة المولى هو طلب ثوابه أو دفع عقابه كان طلب الثواب ودفع العقاب هو الداعي الحقيقي ، ولا ينظر لداعي إطاعته ليكون متقربا بسببه.
قلت : هذا إنما يتم إذا كان الداعي الأول مجرد موافقة أمر الآمر نظير موافقة أمر المستأجر ، دون ما إذا كان هو موافقته من حيثية كونه محبا للعمل المستتبعة لرضاه والتحبب إليه ، فإنها تكون مقربة منه وإن كان الداعي لها أمرا آخر كموافقته أمر شخص آخر أو طلب الثواب ودفع العقاب. ولذا كان قضاء حاجة المؤمنين والإحسان إليهم من حيثية إيناسهم وتحقيق محبوبهم بداعي أمر الشارع بذلك موجبا للتقرب منهم واستحقاق الشكر عليهم والجزاء الحسن منهم بحسب المرتكزات العقلائية.
على أنه لا ينبغي التأمل في عدم منافاة داعوية طلب المحبوب ودفع المكروه الأخرويين والدنيويين لصحة العمل ومقربيته بملاحظة سيرة المتشرعة وارتكازياتهم ، وبعد ملاحظة الآيات الكثيرة والروايات المستفيضة الحاثّة على الطاعة والزاجرة عن المعصية ببيان ما يترتب على الأولى من أنواع الخير الدنيوي والأخروي وعلى الثانية من أنواع المحذور الدنيوي والأخروي ، لوضوح سوقه ليكون داعيا للعمل. وكذا نصوص قاعدة التسامح في أدلة