لأجل ذلك من الأخف يستلزم المنع من الأشد.
وأظهر من ذلك ما لو فهم من الكلام سوقه لبيان عموم الحكم ببيان ثبوته في الأدنى أو الأعلى ، لينتقل لغيره بالأولوية. ولعل منه قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ)(١). إذ يفهم منه عرفا أن الغرض منه بيان عموم النهي عن الإهانة والإيذاء بالنهي عن الفرد الضعيف منهما.
وبهذا كان الانتقال المذكور من باب العمل بالظهور ، وافترق عن الانتقال من أحد الفردين للآخر بالأولوية التي هي من الأدلة العقلية ، حيث لا يعتبر فيها أن يفهم من الدليل سوقه لبيان عموم الحكم ، ولا إدراك جهة الحكم من نفس الدليل ، بل أن يثبت من الخارج أن الملاك في الفرد الآخر أقوى منه في مورد الدليل. ولذا لا بد فيه من القطع بالملاك ، ولا يعتبر ذلك في مفهوم الموافقة ، بل يكفي ظهور الدليل عرفا في ذلك.
ومنه يظهر أن الأنسب عدم اختصاص مفهوم الموافقة بمورد الأولوية العرفية ، بل يجري في جميع موارد فهم عموم الحكم من الدليل الوارد في خصوص بعض الموارد ، إما للعلة المنصوصة ، وإما لإلغاء خصوصية المورد عرفا ، حيث لا يعتبر في التعدي حينئذ أولوية مورد التعدي عن مورد الدليل.
لكنهم اقتصروا في بيان مفهوم الموافقة على مفهوم الأولوية العرفية. إما لعدم كونهم بصدد موارده ، أو لغير ذلك مما لا يهمّ بعد عدم الخلاف في التعدي عن مورد الدليل في الموارد المشار إليها ، حيث لا ينبغي معه إطالة الكلام فيها.
ومن هنا نقتصر على الكلام في مفهوم المخالفة ، تبعا لأهل الفن ، حيث تعرضوا لجملة من الموارد ، وقع الكلام في انعقاد الظهور في المفهوم فيها. والبحث فيها يقع ضمن فصول.
__________________
(١) سورة الإسراء الآية : ٢٣.