وخالف في ذلك شيخنا الأعظم قدسسره قال في تعقيب حجة القول السابع من أقوال الاستصحاب ـ عند الكلام في حقيقة الصحة والفساد ، بعد أن ذكر أنهما في المعاملات عبارة عن ترتب الأثر وعدمه ـ : «فإن لوحظت المعاملة سببا لحكم تكليفي ـ كالبيع لإباحة التصرفات والنكاح لإباحة الاستمتاعات ـ فالكلام فيها يعرف مما سبق في السببية وأخواتها. وإن لوحظت سببا لأمر آخر ـ كسببية البيع للملكية والنكاح للزوجية والعتق للحرية وسببية الغسل للطهارة ـ فهذه الأمور بنفسها ليست أحكاما شرعية.
نعم ، الحكم بثبوتها شرعي. وحقائقها إما أمور اعتبارية منتزعة من الأحكام التكليفية ، كما يقال : الملكية كون الشيء بحيث يجوز الانتفاع به وبعوضه ، والطهارة كون الشيء بحيث يجوز استعماله في الأكل والشرب والصلاة ، نقيض النجاسة ، وإما أمور واقعية كشف عنها الشارع».
ولا يخفى أن ما ذكره من أن الحكم بها شرعي وإن لم تكن أحكاما شرعية مبني على أن المراد من الحكم مجرد الحمل والإسناد الذي هو مفاد القضية وإن كان بداعي الإخبار. كما أن تعبيره بأنها أمور اعتبارية مبني على التوسع في معنى الاعتبار بالوجه الذي أشرنا إليه في ذيل الكلام في تحديد مصطلح الأمر الاعتباري ، ومراده هنا ما يناسب الأمر الانتزاعي بالمعنى الثاني الذي تقدم في أواخر الأمر الرابع.
وكيف كان ، فلا مجال لما ذكره قدسسره بعد ما عرفت. على أن كونها منتزعة من الأحكام التكليفية الثابتة في مواردها لا يناسب أخذها في موضوع تلك الأحكام ، على ما تضمنته أدلتها ، لما أشرنا إليه ـ في تحديد المعنى الثاني للأمر الانتزاعي ـ من امتناع كون العنوان المنتزع من الحكم موضوعا له ، ولا مجال لاحتمال الإشارة بها لما هو الموضوع بعنوان آخر ، لأنه ـ مع مخالفته لظاهر أخذها في أدلة تلك الأحكام ـ موقوف على وجود عنوان ملازم لها خارجا