مدرك للعرف صالح للموضوعية ، وإلا لزم عدم صلوح الحكم لأن يترتب عليه العمل ، لعدم إدراك موضوعه ، ومن الظاهر أنه لا وجود للعنوان المذكور.
مضافا إلى عدم اتفاق الأفراد الواجدة لعناوين الأحكام الوضعية ولا أحوالها في الأحكام التكليفية ، واشتراك أكثر من حكم وضعي في بعض الأحكام التكليفية ، فالزوجية ـ مثلا ـ لا تقتضي جواز الوطء أو الاستمتاع دائما ، بل يحرم الاستمتاع بالزوجة حال الإحرام مثلا ، كما لا تختص به ، بل يشاركها فيه ملك اليمين ، وملك اليمين إنما يقتضي جواز الاستمتاع إذا كان المالك رجلا والمملوك امرأة بشروط خاصة ، دون بقية الصور ، فلو كان عنوان الحكم الوضعي منتزعا من الحكم التكليفي لزم اختلاف مفهومه باختلاف الأحكام التكليفية في مورده ، كما يلزم اتحاد مفاهيم الأحكام الوضعية المشتركة في الأحكام التكليفية التي يفرض انتزاعها منها ، مع وضوح بطلان ذلك كله.
وقد اعترف قدسسره بذلك في النجاسة في أول الكلام في النجاسات من طهارته ، قال : «ويظهر من المحكي عن الشهيد في قواعده أن النجاسة حكم الشارع بوجوب الاجتناب استقذارا واستنفارا ، وظاهر هذا الكلام أن النجاسة عين الحكم بوجوب الاجتناب. وليس كذلك قطعا ، لأن النجاسة مما يتصف به الأجسام فلا دخل له في الأحكام. فالظاهر أن مراده أنها صفة انتزاعية من حكم الشارع بوجوب الاجتناب للاستقذار والاستنفار. وفيه : أن المستفاد من الكتاب والسنة أن النجاسة صفة متأصلة يتفرع عليها تلك الأحكام ، وهي القذارة التي ذكرناها ، لا أنها صفة منتزعة من أحكام تكليفية ، نظير الأحكام الوضعية المنتزعة منها ، كالشرطية والسببية والمانعية».
وأما كونها أمورا واقعية كشف عنها الشارع فهو خلاف المقطوع به في أكثر تلك الأحكام ، حيث لا يشك العرف في تبعيتها حدوثا وارتفاعا للإنشاء والجعل من دون أن يكون لها ما بإزاء في الخارج.