ثانيها : أنه لو حسن الفعل أو قبح مع قطع النظر عن التشريع لزم عدم كون الباري مختارا في تشريع الأحكام ، لأن قبح مخالفة مقتضى الحسن والقبح منه تعالى يستلزم امتناع مخالفته منه ، فلا يكون مختارا فيه.
وفيه : أن امتناع صدور القبيح منه تعالى ليس لعجزه عنه ، كي ينافي اختياره ، بل لأن اختياره له لا يناسب كماله ويلزم باختياره للحسن ، فهو مبتن على الاختيار ، وليس منافيا له.
ثالثها : ما قيل : إنه أهم أدلتهم ، وهو أنه لو كانت قضية الحسن والقبح مما يحكم به العقل لما كان هناك فرق بين حكمه بها وحكمه بأن الكل أعظم من الجزء ، مع وضوح الفرق بينهما ، حيث لا خلاف في الثاني ، مع شدة الخلاف في الأول.
وفيه : أنه لا ملزم باتفاق المدركات العقلية في الوضوح والخفاء ، بل تختلف باختلاف القضايا ، فقضية : الكل أعظم من الجزء ، لما كانت لازمة لمفهوم طرفيها فهي من الأوليات التي يكون التصديق بها عند الالتفات إليها لازما لتصور طرفيها ، بخلاف قضية التحسين والتقبيح ، فإنها ليست كذلك ، بل يحتاج التصديق بها إلى شيء من التروي والرجوع للمرتكزات العقلية الكامنة في النفس والمحتاجة للتنبيه ، وللتمييز بين الداعوية العقلية التي هي محل الكلام وسائر الداعويات النفسية المتقدمة ، وذلك مما يوجب نحو خفاء لها قد يسهل معه توجيه الشبه فيها والإشكالات عليها ، حتى قد يلتبس الأمر ويضيع على النفس مقتضى المرتكزات أو تتحفز فيها المكابرة والمغالطات ، كما حصل في كثير من البديهيات ، كتوقف وجود الممكن على العلة وامتناع الصدفة.
وهناك بعض الوجوه الأخر لا مجال لإطالة الكلام فيها بعد وضوح