استتبع تكليفا ، وهو إيجاب الصلاة عند الزوال وتحريمها عند الحيض ، كما أن قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)(١) و «دعي الصلاة أيام أقرائك» خطاب تكليفي وإن استتبع وضعا ، وهو كون الدلوك سببا والأقراء مانعا ، والحاصل : أن هناك أمرين متباينين كل منهما فرد للحكم ، فلا يغني استتباع أحدهما للآخر عن مراعاته واحتسابه في عدد الأحكام».
وقد جرى على ذلك في الجملة بعض الأعيان المحققين قدسسره فذكر أنه بعد انتزاع كل من السببية والحكم من الجعل المتضمن لإناطة الحكم بموضوعه لا بد من البناء على كونهما معا مجعولين بجعل واحد من دون وجه لدعوى كون أحدهما منتزعا من الآخر.
أقول : جعل الأحكام التكليفية والوضعية إنما يصح بلحاظ الأثر المترتب عليها ـ ولو في الجملة ـ لأنه هو المصحح لاعتبارها عند العقلاء والرافع للغوية جعلها بنظرهم. ومن هنا لا مجال لدعوى اعتبار كل من الحكم والسببية وجعلهما في عرض واحد ، لكفاية أحدهما في ترتب الآثار العملية المهمة ، بلا حاجة إلى انضمام الآخر إليه. بل لا بد من أحد أمور :
الأول : جعل الحكم في طول السببية ، نظير ترتب حرمة الاستعمال على النجاسة ، حيث يكون كل من الجعلين موردا للأثر. الثاني : اختصاص السببية بالجعل ، مع كون الحكم منتزعا منها من دون أن يكون له وجود اعتباري جعلي مباين لها مستقل عنها أو تابع لها. الثالث : العكس.
ولا مجال للأول لعدم ترتب الحكم على السببية الجعلية لا تكوينا ولا تشريعا ، أما الترتب التكويني فلامتناعه بين الاعتباريات ، بل هي تابعة لاعتبار من بيده الاعتبار ، وأما الترتب التشريعي فلأنه فرع إمكان التفكيك بينهما ، وهو
__________________
(١) سورة الإسراء الآية : ٧٨.