ويظهر من بقية كلامه أن المراد من المرتبة الأولى ما إذا تم المقتضي لإنشاء الحكم مع وجود المانع منه أو فقد شرطه قال : «كما لا يبعد أن يكون كذلك قبل بعثته صلىاللهعليهوآله». ولعله لذا نسب له قدسسره جعل المرتبة الأولى مرتبة الاقتضاء.
كما يظهر منها ومن بعض كلماته الأخر ـ ومنها ما في مبحث الواجب المشروط من الكفاية ـ أن المراد من المرتبة الثانية ما إذا حصلت العلة التامة للإنشاء ـ لتمامية الملاك في المتعلق ـ فحصل الإنشاء ، إلا أن الحكم لا يكون فعليا لوجود المانع من فعلية البعث والزجر والترخيص ، لعدم استعداد الناس له ، حيث يلزم معه تشريع حكم آخر تابع لمصلحة فيه لا في المتعلق ، وأن منه الواجب المشروط قبل تحقق شرطه ، والأحكام في أول البعثة قبل ظهورها تدريجا ، والأحكام المودعة عند الحجة (عجل الله فرجه) التي يكون هو المظهر لها.
لكن فرض عدم وجود الحكم أصلا في المرتبة الأولى لا يناسب عدها من مراتبه ، بل غاية ما ينبغي عدها من مراتب ملاكه. كما أن التنجز ـ الذي ذكره في المرتبة الرابعة ـ وإن كان من شئون الحكم الفعلي ، إلا أنه من لواحقه الخارجة عنه ، التي لا دخل لجعل الحكم فيها ، بل هو تابع لسبب التنجيز الذي هو عبارة عن وصول الحكم ، أو كون الجهل به غير معذر عنه ، وهو متأخر رتبة عن الحكم تأخر مقام الإثبات عن مقام الثبوت ، فلا وجه لعدّه من مراتبه أيضا.
وأما ما ذكره في المرتبة الثانية من فرض إنشاء الحكم من دون بعث وزجر وترخيص فعلي ، فهو ـ مع اختصاصه بالأحكام التكليفية ـ غير متعقل ، لأن منشأ انتزاع الأحكام التكليفية ليس إلا البعث والزجر والترخيص على النحو المتقدم ، وبدونها لا وجود له. مع أن الملاك ما لم يبلغ مرتبة الفعلية بحيث ينبغي للمكلف استيفاؤه لا يصلح لتشريع الحكم على طبقه ، بأي مرتبة