إلا أن سدّ هذه الحاجة لا يسهل في الوضع الحوزوي القائم ، حيث يغيب في غالب الأوقات القرار المركزي الذي يملك التغيير ، ولو حصل ذلك في بعض الفترات ـ بقيام مرجعية موحدة تقوى على ذلك ـ فإن الكتاب البديل قد لا يتيسر ، لأن التأليف وإن كان مستمرا ، وكثيرا في الحوزات العلمية ، وبمستويات عالية ، سواء كان ابتدائيا مستقلا أم تقريرا لدروس الأساتذة وحفظا لإفاداتهم من الضياع ، إلا أن تلك المؤلفات لم تعدّ لتكون كتبا دراسية في المنهجية والتبويب والمادة المعروضة وأسلوب العرض وقوة البيان والتعبير ، بل هي كتب علمية تتناسب مع مستويات مؤلفيها أو مستويات أساتذتهم الذين أرادوا حفظ إفاداتهم ، عرضت فيها المطالب العلمية بعمقها ومداخلاتها ببيان قد لا يناسب التدريس. على أن كثيرا منها لا يستوعب دورة علمية تامة.
ولو كان فيها ما هو صالح للتدريس فهو مغمور في تلك الكثرة الكاثرة من المؤلفات ، وقد لا يتيسر الاطلاع عليه ليأخذ موقعه المناسب ، حتى على الصعيد الفردي لو أراد بعض طلاب الحوزة الخروج عن الوضع القائم.
ومن ثم لم تأخذ فكرة التبديل موقعها المناسب من الحديث في الحوزات ، لتفرض نفسها على الواقع ، بل بقي الوضع القائم بقوة الاستمرار وبهيمنة الإكبار والإجلال للكتب الحوزوية المعهودة ولمؤلفيها العظام قدس الله أسرارهم الزكية. وبقي الحديث عن التجديد محدودا ضيقا في مناسبات متفرقة كان لنا ومعنا منه نصيب في عهد سابق.
ومن أهم الأدوار الدراسية التي يجري وجرى الحديث عنها معنا هو السطوح العالية في علم الأصول ، حيث يدرس فيها الكتابان الجليلان (الرسائل) تأليف علم التحقيق المجدد والمؤسس للأصول الحديثة الشيخ الأنصاري قدسسره وهو الكتاب الذي يتكفل ببحث القسم الثاني من الأصول في القطع ومباحث الحجج والأصول العملية والتعارض ، بتفصيل واستيعاب.