أهل البيان من دون أن يكون المصحح المذكور محكيا بها حكاية المعنى باللفظ ، لتكون إخطارية. وحيث كان موضوع الصدق والكذب هو البيان تعين اتصاف الثانية بهما دون الأولى.
وكذا الحال في أدوات العموم ، لأن العموم أمر متقوّم باللحاظ في مقام الحكم من دون أن يكون له ما بإزاء في الخارج ، بل ليس في الخارج إلا ثبوت الأمر المحكوم به للأفراد كل على حدة ، وإن كان الحكم العام يتصف بالصدق والكذب بلحاظ ذلك.
ولعل مثل أدوات الاستثناء والعموم في ذلك بعض أدوات العطف والإضراب ـ ك (أو) و(بل) ـ فإن مفادها إيجاد نحو من النسبة القائمة بالكلام التي ليس لها واقع وراءه محكي بها ، وإن كان إيجادها قد يكون بداعي بيان واقع خاص يكون وجوده وعدمه معيارا في الصدق والكذب. وبالاستقراء والتأمل قد يظهر ذلك في غيرها مما يدل على النسب في ضمن الكلام القابل للاتصاف بالصدق والكذب.
وإذا ثبت عدم ملازمة اتصاف الكلام بالصدق والكذب لكون معاني الأدوات إخطارية فلا طريق لإثبات كون المعنى إخطاريا في شيء من الحروف والهيئات ، بل ربما تكون بأجمعها إيجادية ، بأن تكون أداة لتحقيق نحو من النسب الكلامية في مقام البيان وإن كان الداعي لها قد يكون هو بيان واقع خاص يكون مصححا لاعتبار تلك النسب ومعيارا في الصدق والكذب عند أهل البيان. وهو الذي أصر عليه بعض الأعاظم قدسسره. ولعله الأقرب.
كما قد يناسبه ما هو المعلوم من إمكان بيان الواقع الواحد بصور مختلفة وبأكثر من نسبة واحدة تقوم بها الحروف والهيئات المختلفة ، فكما يصح أن تقول : سرت من البصرة ، يصح أن تقول : بدأت بالسير من البصرة ، وكما يصح