بالقنفذة ، فسأل عنه باللّغة الدّارجة ، فضحكت منه واستهزأت به بنته آمنة (١) ـ الّتي تزوّجها بعد السّيّد علويّ السّقّاف (٢) صاحب الحاشية على «فتح المعين» ـ واستهزأت بكلامه ، فآلى على نفسه أن يتعلّم النّحو ، وأن لا يتكلّم إلّا بالإعراب ، ولم يحنث.
وكان أبيض القلب لا يعرف حيل آل كثير ، حتّى لقد ذهب مرّة للإصلاح بين آل عبدات وجيرانهم من آل عمر ، فأجابوا على شرط أن لا يخرج أحد من داره إلّا بخفير ، فاقتنع بذلك ، ولمّا اجتمع بأخيه عبد الله .. قال له : أيّ معنى للصّلح إذا.
وانتهى به الصّلاح إلى أن تجوهر قلبه فتفرّس قرب أجله ، فسيّر كتبا للأعيان ، منهم : سيّدنا الأبرّ عيدروس بن عمر بيوم وفاته ، وبات ليلتها يعظ النّاس ويذكر أعيان زمانه بما فيهم ، وممّن فاز ببالغ ثنائه ليلتئذ : الأستاذ الأبرّ ، وسيّدي عبد الله بن حسن البحر ، مع أنّ آل أحمد بن زين ينفسونهما ، ولا سيّما الثّاني ، ثمّ مات من آخر تلك اللّيلة.
وعاد السّيّد عبد الله بن محمّد (٣) إلى المنصبة ، وكان طلب العلم بمكّة المشّرفة وغيرها ، وكان يجعل الطّلاق الثّلاث باللّفظ الواحد واحدة فقط ، وكنت أستشكل ذلك ؛ لإجماع الفقهاء الأربعة على خلافه ، حتّى أمعنت النّظر فيما قرّره العلّامتان ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم ، فرأيت حججا تنقطع دونها ألسنة الاعتراض ، ومع ذلك بقيت على التّوقّف ؛ لأنّ السّادة الحنابلة مع إعظامهم لهذين الشّيخين لم يوافقوهما على هذا القول ، حتّى رأيت ما ذكره الشّوكانيّ في «نيل الأوطار» (٤) وقول الإمام الرّازيّ في تفسير آية الطّلاق من سورة البقرة : (إنّه الأقيس) (٥) .. فانشرح صدري لذكري إيّاه لمن يسألني من العامّة.
__________________
(١) توفيت بمكة سنة (١٣٤٢ ه) ، ترجمتها في «الدليل المشير» لسبطها القاضي أبي بكر الحبشي (ص ٦٤ ـ ٦٨).
(٢) العلامة الفقيه ، توفي بمكة سنة (١٣٢٩ ه) ، ترجمته في «الأعلام» ، و «سير وتراجم» (١٣٧).
(٣) كان الحبيب عبد الله هذا متوليا القضاء في شبام ، ومن الآخذين عنه العلامة الحبيب عيدروس بن حسين عيدروس المقدم ذكره في الحزم.
(٤) انظر «نيل الأوطار» (٧ / ١١ ـ ٢٠) ؛ فهو البحث المراد.
(٥) انظر «التّفسير الكبير» للرّازي (٦ / ٩٦). وآية الطّلاق هي قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ ...)