وكذلك بلغني عن السّيّد عبد الله بن محمّد أنّه يمنع نفوذ طلاق الغضبان! فقفّ شعري أوّلا ، ثمّ رأيت ما ذكره ابن القيّم في «الزّاد». وفي رسالة أخرى مطبوعة إلى جانبها قصيدة آنقتني (١) لشاعر العراق معروف الرّصافيّ.
ومع ذلك فلم أجسر على تصويبه في ذلك ، حتّى صوّبت النّظر في قوله جلّ ذكره : (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
وقد روي : (أنّ التّوراة كانت سبعة ألواح ، فلمّا ألقاها موسى .. تكسّرت إلّا واحدا ، فرفعت ستّة أسباعها ، وفيها تفصيل كلّ شيء ، وبقي منها سبع واحد فيه الرّحمة والهدى) ، إلّا أنّه قد يغبّر على هذه الرّواية إمكان تقريرها حتّى من رضاضها وقد قال تعالى : (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ) مع ما يوجد من الأحكام (٢) والقصص بكثرة في «التّوراة».
ومهما يكن : فلو كان الغضبان مؤاخذا .. لوقع موسى عليه السّلام من ذلك في أمر عظيم لا يكفي للجواب عنه أن يقال : إنّ شرع من قبلنا ليس بشرع لنا ؛ لأنّه لا يقال ذلك إلّا فيما لا يتعلّق بأصول الإيمان والدّين ، أمّا هذا .. فإنّه ممّا يدخل تحتها.
فالقائل بمؤاخذة الغضبان يلزمه من إساءة الأدب على موسى عليه السّلام ما لا ينطلق به لساني ، ولا يخلّصه منه قولهم : إنّ لازم المذهب ليس بمذهب.
والّذي ينبغي أن يقال به في طلاق الغضبان : إجراؤه مجرى المسكر : فإن كان سببه مباحا ، وانتهى بصاحبه إلى الحدّ الّذي يغطّي على عقله أو يحول بينه وبين نيّته .. لم يؤاخذ. وإلّا .. أوخذ.
__________________
ولمعرفة مزيد تفصيل في هذا الموضوع ينظر كتاب : «الإشفاق في أحكام الطلاق» للعلامة المحقق محمد زاهر الكوثري ، مطبوع. وللعلامة الشيخ الفقيه عبد الله باجمّاح العمودي رسالة أيضا في هذه المسألة ، وللعلامة محمد الخضر الشنقيطي مثلها ، وكلها مطبوعة.
(١) آنقتني : أعجبتني.
(٢) الرضاض : الفتات.