ومتى فرغ من درسي .. جاء إليه الدّثنيّ يقرأ عليه إلى قريب الظّهر ، عندئذ يتناول ما تيسّر من الغداء ، ثمّ يقيل نصف ساعة أو أقلّ ، ثمّ يتهيّأ للظّهر فريضة ونوافل ، وبعد أن يفرغ فتارة يحضر عليه أولئك الرّهط فيقرؤون ، وتارة يدخل إلى أهله ، وهناك تحضر الوالدة (١) بكتابها فتقرأ عليه ، كلّما انتهت من كتاب .. شرعت في آخر ؛ لأنّها كانت مشاركة في العلم ، وأحيانا يضرب السّتر ويأتي الدّثنيّ بكتابه وسيدتي الوالدة من ورائه إلى أن تجب العصر ، فيقوم إلى مصلّاه ويؤدّيها نافلة وفريضة بطهر مجدّد ، ثمّ يشتغل بشيء من الأوراد والحزوب ، ثمّ أحضر بكتابي فأقرأ درسا ، ثمّ أنهض للّعب مع أصحابي المخصّصين لذلك ، وكثيرا ما يزورنا ويراقبنا ، وربّما شاركنا ؛ تطييبا لأنفسنا دقيقة أو دقيقتين.
يروع ركانة ويذوب ظرفا |
|
فما تدري أشيخ أم غلام (٢) |
ثمّ يحضر الدّثنيّ إلى المغرب ، وعند ذاك يستأنف الطّهارة ، ثمّ يؤدّي المغرب بنوافلها الرّاتبة وغيرها ، ثمّ أحضر بكتابي فأقرأ درسا خفيفا ، ويخلفني الدّثنيّ في القراءة إلى العشاء ، وقد يحضر السّابقون في هذا الوقت وغيرهم فيكون درسهم واحدا.
ثمّ يؤدّي العشاء بدون تجديد طهارة ، ثمّ يصلّي راتبته ، ويشتغل بأذكار المساء ، ثمّ يتناول العلقة من الطعام ، ثمّ يأخذ مضجعه وقد غلب عليه الخوف من الله والشّوق إليه ، فقلّما يطمئنّ به مضجعه ، وهكذا دواليك.
وقد انطبعت نفسه ـ ورسخت أعضاؤه على اتّباع السّنّة في يقظته وانتباهه ، وقيامه وقعوده ، ومدخله ومخرجه ، وقضائه للحاجة ، وأكله وشربه ـ انطباعا لا يحتاج معه إلى تكلّف ، بل كثيرا ما أراه يتضجّر من النّهار ، ولا سيّما إذا كثر عليه الواردون ـ مع أنّ كلامه معهم لا يخرج عن التّمجيد والتّحميد ، والتّعريف والتّوحيد ، والوعظ الّذي
__________________
(١) هي الشريفة نور بنت محمد بن سقاف مولى خيلة.
(٢) البيت من الوافر ، وهو لأبي الطيّب المتنبّي في «العكبريّ» (٤ / ٧٥). يروع : يفزع. الرّكانة : الوقار. الظّرف : الحسن.