وأمّا ما ذكره ياقوت من الأين والموقع .. فلا ينطبق إلّا على ريسوت القريبة من ظفار وهي الّتي يفرق بين طريقها وبين الطّريق المسلوك إلى ظفار نحو ميل ، وهي الّتي تلاقت فيها عساكر الملك المظفّر الرّسوليّ ، ثمّ تقدّموا منها إلى موضع من أعمال ظفار ، يقال له : عوقد ، حيث كانت الواقعة الهائلة الّتي دارت فيها الدّائرة على سالم ابن إدريس الحبوظيّ ، واستولى بعدها عسكر المظفّر على ظفار ، وعلى سائر بلاد حضرموت. وكانت تلك الموقعة في يوم السّبت (٢٧) رجب من سنة (٦٧٨ ه) (١) ولا يمكن أن يروى كلّ هذا عن ابن الحائك ؛ إذ كانت وفاته بسجن صنعاء في سنة (٣٣٤ ه) كما في «بغية الوعاة» للسّيوطيّ (٢) ، وإنّما أنشئت ظفار بعد ذلك بزمان.
أمّا مرباط : فلها ذكر كثير في «صفة جزيرة العرب» ، ومنه في هذا الموضع [ص ٩١] : (أنّ أهل ريسوت تفرّقوا في البلاد بعد ما بيّتهم بنو خنزريت ، فسكنوا موضعا من الغبب يقال له : حاسك ومرباط).
ومن هنا نشأ وهم ياقوت ، فذكر حاسك ومرباط هنا يمهّد العذر له ، لكنّ الغبب بأسرها من المهرة.
وبذلك يقوى الإشكال ، ويشتدّ الاشتباه ، وقد عرفت بعد من سؤال الملّاحين : أنّ ريسوت الظّفاريّة شبه قلعة يحيط بها البحر من الجهات الثّلاث ، وهي في منتصف الطّريق بين عمان وعدن ؛ لأنّ المسافة في السّفن الشّراعيّة بالرّيح المعتدل من مسقط إلى ريسوت أربعة أيّام ، ومن ريسوت إلى المكلّا يومان ، ومن المكلّا إلى بير عليّ نصف يوم ، ومنها إلى عدن يومان .. فالوصف منطبق على ريسوت ظفار أكثر منه على حصن الغراب.
ومنها ـ أعني «صفة جزيرة العرب» ـ : (أنّ شطوط بحر العرب (٣) : مثل سفوان
__________________
(١) وقد قتل فيها الحبوظيّ ، وتفاصيل هذه الواقعة التّاريخيّة مذكورة في «العقود اللّؤلؤيّة في تاريخ الدّولة الرّسوليّة» (١ / ٢٠٧ ـ ٢١٦) ، و «تاريخ حضرموت» للحامد (٢ / ٦٠٢ ـ ٦٠٤) ، وغيرها.
(٢) والتّحقيق في وفاة الهمداني : أنّه توفّي بعد سنة (٣٤٤ ه) ، حقّق ذلك العلّامة محمّد بن عليّ الأكوع في مقال نشر في (مجلّة المجمّع العلميّ العربيّ) بدمشق ، المجلّد رقم (٢٥) (ص ٦٢) ، بتاريخ ربيع الأوّل (١٣٦٩ ه). وأورد ذلك التّحقيق العلّامة حمد الجاسر في مقدّمة «صفة الجزيرة» المطبوع.
(٣) شطوط ـ جمع شاطىء ـ وهو : جانب النّهر والبحر.