فاقشعرّت قريتهم ، وتفرّقت فتيتهم ، وقد قال محمّد بن عليّ بن خلف البيرمانيّ [من الطّويل] :
يقيم الرّجال الموسرون بأرضهم |
|
وترمي النّوى بالمقترين المراميا |
ولم تبق إلّا الدّيار الخاوية ، والكلاب العاوية ، يستمري العيون بومها ، وتفتّت الأكباد رسومها.
أو ما رأيت منازل ابنة مالك |
|
رسمت له ـ كيف الزّفير ـ رسومها (١) |
آناؤها وطلولها ونجادها |
|
ووهادها وحديثها وقديمها (٢) |
تغدو الرّياح سوافيا وعوافيا |
|
فتضيم مغناها وليس تضيمها (٣) |
وكأنّما ألقى عصاه بها البلى |
|
من شقّة قذف فليس يريمها (٤) |
وفي المفاضلة بينها وبين ذي أصبح وأهليهما .. لي ولأمّ أولادي كلام طويل ؛ إذ أهل الفجير أخوالي ، وأهل ذي أصبح أهلها ، والحقّ أن ليس لسيّد الوادي الحسن بن صالح ثمّ لولده عبد الله مثيل ، وكلّ كفّة بهما تشيل ، وفيهما يأتي موضع قول الأوّل [من الطّويل] :
أبونا أب لو كان للنّاس كلّهم |
|
أب مثله أغناهم بالمناقب |
أمّا بقيّة آل البحر .. فآل خيله خير منهم ، إلّا من سقط من محلّهم عن عناقيد العزّ ؛ إذ لا مدفع لهم عن قول الأوّل [من الطّويل] :
وليس لنا عيب سوى أنّ جودنا |
|
أضرّ بنا ، والبأس من كلّ جانب |
وقد هلك ـ أو كاد ـ كلّ من القريتين ، نسأل الله أن يقيّض لكسرهما جبره ، وأن يديل عبرتهما حبره.
__________________
(١) الأبيات من الكامل ، وهي لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ١٤٣).
(٢) آناؤها : أطرافها. نجادها : مرتفعاتها. وهادها : منخفضاتها.
(٣) سوافيا : تسفي التّراب ، وتذريه. عوافيا : ماحية.
(٤) الشّقّة : الوجهة. قذف : بعيدة. يريمها : يفارقها.